أن هذه الصحافة في غالبها قد اعتنت بالجانب العلمي الحديث، ولاسيّما "المقتطف" ذات الصيت الذائع آنذاك، وهي تنشر ذلك بين المسلمين، فما الذي أهلها لهذا العمل؟ ثم أليس من الأصح شكرها على هذا العمل ولاسيّما أنها تنشره بين الناس عامة فلم تخص به طائفتها!
أما الذي أهلها لذلك فهو الدراسة -التي حصل عليها مشرفو تلك الصحافة- في مدارس الإرساليات، وقطعًا لم يكن هدف الإرساليات نشر تلك العلوم للمسلمين، فإن هدفهم الأساسي هو نشر النصرانية، وإضعاف أي قوة تعيق تقدم النصارى، هذا ما يقوله منطق العقل وحقائق التاريخ البعيدة والقريبة. فهل أصحاب هذه المجلات قد تنكروا لتلك الإرساليات بعد أن علمتهم وتحولوا إلى خدمة ونفع المسلمين؟ أهذا ممكن!
يمكن أن يكون عملهم ذلك طلبًا للمال من خلال العمل التجاري الإعلامي، ويمكن أن يكون ذلك حبًا في الشهرة والجاه، وهي احتمالات واردة، ولكن يضعفها أن السياق التاريخي يجبرنا على افتراضات أخرى، فقد بدأ الأمر بإرساليات، ففتحت مدارسها وأنشأت مطبعة في وقت تغلي قدور المطامع الأوروبية بأهلها، وما أخرهم إلا بقايا خوف من دولة الخلافة ونزاع حول الغنائم. أعقب ما حصلوه في مدارس تلك الإرساليات انتقالهم إلى مركز إسلامي مهم، وما إن بدأ نشاطهم فيه حتى وقع الاحتلال البغيض لذاك المركز سنة (١٨٨٢ م) ومن تلك الفترة وهم في قوة ونفوذ.
قد يستعرض مستعرض مجلاتهم آنذاك "المقتطف والهلال و. ." فلا يشعر فيها بوضوح قصد خدمة النصرانية -وقد استعرضت بنفسي مجلدات تلك المجلات- ويجد المستعرض لها تظاهرها بالموضوعية وقصد عموم النفع، ولكن أليس من الطبيعي أن تجتهد في إخفاء الأغراض الخاصة إن كانت ذات مقاصد معينة وتُسرب ما تريد بأسلوب غير مباشر؟ هل يمكن أن تستمر تلك الصحافة لو صرحت بمقاصد تنصيرية أو تغريبية أو استعمارية كما حدث من صحف ظهرت فيما بعد؛ خلعت غطاء الحياء وأعلنت أهدافها علانية فترة الاستعمار الصريح وبروز التيارات الفكرية التغريبية؟
ومع اعتقادي بأن تلك الصحافة كانت مشاركة في لعبة كبيرة ضد المسلمين إلا أنها كانت في الوقت نفسه منبرًا استفاد منه الكثير حول المعارف الجديدة،