للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلوم، ولكنها بقيت بعيدة عن الجمهور لاسيّما والمدارس محدودة العدد وكذا المبتعثين، فجاءت الصحافة الناشئة لتعمم هذه الفكرة، ولكنها بسبب انحيازها لاتجاه معين وفكر معين أوقعت قرائها في شَرَك أهوائها، وبدل أن تكون أداة نهضة للأمة تحولت إلى أداة إشكال وتوتر.

كانت فترة ازدهار الصحافة في الربع الأخير من القرن التاسع عشر وأول العشرين (١٣ - ١٤ هـ) إلى بداية الحرب العالمية الأولى، ولاسيّما في ظلّ غياب منافس إعلامي لها، حيث صاحب تطور الطباعة تطور الصحافة وظهرت الصحف والمجلات لأول مرة في العالم الإسلامي، وقد كان للصحفيين السوريين نشاطًا قياديًا في كل من سوريا ومصر وأوروبا، ومن خلال صحفهم "تسربت الأفكار الأوروبية الجديدة إلى القراء العرب" (١)، وفي مصر مثلًا -الأشهر في هذا الميدان وقبل الاحتلال البريطاني- كان يوجد فيها سنة (١٨٧٩ م) "ست عشرة صحيفة، عشر منها تصدر باللغة العربية" وبحسب رأي "مالكولم" فقد "كان الكثير منهم متأثرًا بالأفكار الفرنسية بصورة كبيرة: إذ كانت المدارس والصحف الفرنسية قوية في مصر، كما انتقل العديد من الكتاب الذين بدؤوا مهنتهم في مصر إلى باريس فيما بعد، حيث كانت تسود الآراء والأفكار المعادية لبريطانيا"، ومما يميزها الحضور البارز للمهاجرين الشوام (٢) ولاسيّما النصارى.

جاءت الصحافة بعد أن بدأت تجارب التحديث في بعض البلدان الإسلامية وكان أشهرها تجربة والي مصر محمد علي، ومن ذلك فتح المدارس المتخصصة في تحصيل العلوم العصرية، وأصبحت مصر نموذج التجارب الأخرى ومدارسها ربما تتلقى طلبًا من هنا أو هناك للالتحاق بها، ولكن هذه العلوم بقيت محصورة في فئة وبعيدة عن عموم المجتمع، وكان هناك نوع من القطيعة بين الأزهر -وهو المركز العلمي الأقرب للناس- وبين هذا المركز الجديد للعلم، وقد كان من المفترض أن تلعب الصحافة دورًا مهمًا في ردم الفجوة بين الأزهر كنموذج وبين مؤسسات العلوم العصرية، وبين المجتمع عمومًا وبين ما أُدخل عليه دون تهيئة مناسبة من مدارس ومدرسين أجانب أو طلب العلم في بلاد الكفار، وكان يمكن


(١) انظر: نشوء الشرق الأدنى الحديث. . . .، مالكولم ياب ص ٢٢٦.
(٢) انظر: المرجع السابق ص ٢٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>