للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطهطاوي (١)، بعدها بدأت الصحافة في حضورها على السطح الثقافي. أما في الشام فمن المعلوم أن الإرسالية الأمريكية نقلت مطبعتها من مالطة إلى بيروت من أجل نشر كتبهم الدينية، ثم تطور الأمر إلى ظهور المطابع بإدارة نصارى تلك البلاد، وما تبع ذلك من ظهور صحافة يديرونها وتنتشر بينهم وبين المسلمين (٢).

وبما أن الصحافة منها الخاص بالأخبار والمعلومات ومنها ما هو خاص بالفكر والرأي، وغالبًا ما تخلط هذا بذاك، فإنها لابد ستنشر شيئًا من المعارف الجديدة والآراء والأفكار المصاحبة لها. وقد كان من بين ما اعتنت به حركة الصحافة آنذاك تعريف المجتمع بالعلوم العصرية وبعض ما ارتبط بها، ثم تحول التعريف إلى تأثير في بعض القراء وبدأت تبرز المذاهب والأفكار الجديدة، ثم ما لبثت أن اتسع تأثيرها ليصل لجمهور القراء الذين يمثلون آنذاك قادة المجتمع والنخبة المهمة فيه.

أبحثُ في هذه الفقرة عن الأثر السلبي للصحافة بداية ظهورها في طرحها للعلوم العصرية وآثار ذلك في: الانحراف بمسيرة تلك العلوم، أو إعاقة نمو النافع منها نموًا صحيحًا مفيدًا للأمة. وتختلف (المدرسة) عن (الصحيفة) بأن (المدرسة) خاصة بفئة معينة من المجتمع، أمّا (الصحيفة) فهي موجهة لكل قارئ، مما يعني أن فعل الصحيفة أوسع من أثر المدرسة، وإن كانت المدرسة ربما أعمق، كما أن الصحيفة آنذاك كانت تُطلب ويُعتنى بها من قبل النخب المتنوعة، وقد لا يتأتى ذلك في المدرسة. أما (المحافل) فهي أداة استقطاب للنوعيات المميزة وإدارتهم وتوجيههم فيما بعد بما يخدم أهداف الماسونية.

لا يكاد يقع اختلاف بين الباحثين بأن القرن الثالث عشر/ التاسع عشر قد شهد طلبًا واضحًا للنهضة والتحديث، وأن عمدة ذلك يتأكد في طلب العلوم العصرية ذات الثمرات المدنية المشهودة، عبر الابتعاث أو طلب المدرسين الأجانب وفتح المدارس الخاصة بذلك، وأن ذلك أعاد الاعتبار لمثل هذه


(١) انظر: رفاعة الطهطاوي. . . .، د. محمد عمارة ص ٧٥ - ٨٢.
(٢) تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر، جرجي زيدان ٢/ ٣٥، في أثناء حديثه عن بطرس البستاني.

<<  <  ج: ص:  >  >>