ونظريته في الجاذبية لا تستفز الكنيسة كما حصل من نظرية كوبرنيكوس في دوران الأرض حول الشمس، وذلك أنه جعل الجاذبية خاصية وضعها الرب سبحانه في الكون ليحفظ بها نظامه وتماسكه، وإذا لم يوجد ما يمنعها فلا أقل من تركها والسكوت عنها.
ومع ذلك ففيها ما يثير بعضهم، وسبق بأن نيوتن عرف ذلك فقدم بمقدمة في الطبعة الثانية للكتاب لتلافي ذلك، ويذكر أحمد الشنواني بأنه عند خشية "اللاهوتيين لأول وهلة من تأثير كتاب "المبادئ" على الدين" شجع "نيوتن""بنتلي" ليلقي محاضرات "بويل" -بويل عالم كيميائي ومتدين بالنصرانية إلى حد تسميته بالعالم القديس- فحاولت "النظرة الجديدة إلى العالم تأييد الإيمان؛ لأنها أكدت على وحدة الكون ونظامه، وعظمته الواضحة أدلة على حكمة الله وقوته وجلاله"(١)، وهو بهذا العمل يُرسي دعائم القول بعدم التعارض بين الدين والعلم، وهو تيار أصبح معروفًا في الفكر الغربي، واتفق عليه مجموعة من الجهتين: جهة الكنيسة وجهة العلماء.
ومن المعلوم بأن الإسلام وأهله في هذه المرحلة لم يكن لهم علاقة بهذه الأحداث، فلم يكن في أوروبا سوى النصرانية واليهودية، أما أهل الإسلام فقد كانوا خارج هذه الأحداث وما دخلوا مشاكلها إلا بعد حدوثها بما يقرب من قرنين، ولكن أهل الإسلام سبق لهم التعرف بقضية مشابهة، وهي قضية العلاقة بين العقل والنقل ومما خرج به أهل السنة من النزاع الدائر حولها: أن القضية الدينية الصحيحة الصريحة لا يمكن أن تتعارض مع قضية عقلية صريحة صحيحة، ولديهم من ثمار ذاك الصراع ما يُمكّنهم من معالجة ما يشابهه، وكان من المفترض أن نتجاوز مشكلة العلاقة بين الدين والعلم بسهوله لولا أن هناك ملابسات أحاطت فترة تعرفنا بتلك العلوم أسهمت في إعادة المشكلة عندنا، وفتحت نقاشات واسعة ما زالت ممتدة إلى الآن.
(١) كتب غيرت الفكر الإنساني، أحمد الشنواني ص ١٧٦، و"روبرت بويل" (١٦٢٧ - ١٦٩١ م) من أصدقاء "لوك"، أسس (محاضرات بويل) للإجابة عن الأسئلة التي يطرحها العلم والفلسفة في وجه الدين، وقد قدم فيها المفكر الإنكليزي "صموئيل كلارك" الذي كان صديقًا لـ "نيوتن" سلسلتين من محاضرات بويل، دافع فيها عن المسيحية أمام الربوبيين، انظر: المقدمة في فلسفة الدين، أديب صعب ص ٧٤.