وما يهمنا الآن أن "نيوتن" كأشهر علماء أوروبا في القرن الثامن عشر (١٢ هـ) دون استثناء كان يقول بعدم التعارض بين الدين والعلم، ويرى بأن العلم يمكنه خدمة الدين، فأما العلم فهو رجله كما يقال، وأما الدين فقد كان على معرفة كبيرة باللاهوت الديني تؤهله لإصدار مثل هذا الرأي.
وهذا الرأي هو الأصح في منطق العقل، فإن المعارف الصحيحة لا تتعارض ما دامت صحيحة صريحة، ومن تأمل في المسائل الكبار المزعوم فيها التعارض يجدها تفقد أحد الشرطين: الصحة أو الصراحة. ولكن مسار العلاقة في أوروبا لم يواصل ما اقترحه نيوتن، فمع تفاعلات فكرية واجتماعية وقعت في أوروبا قادت العلاقة بين الدين والعلم إلى التصادم ومن ثمّ الطلاق، لاسيّما مع المذاهب والتيارات المادية والملحدة والوضعية وغيرها.
ويمكن وضع حدود عامة للعلاقة المتصلة والمنفصلة بين العلم والدين، فمع النظريات الفلكية في القرن السادس عشر (١٠ هـ) وبداية السابع عشر (١١ هـ) لم تحسم العلاقة منهجيًا وإن حسمت اجتماعيًا لصالح الكنيسة باعتذار "جاليليو"، ولكنها في نهايات القرن السابع عشر (١١ هـ)، ثم الثامن عشر (١٢ هـ) صلحت العلاقة بسبب نجاح "نيوتن" كأهم عالم لأوروبا آنذاك في تخفيف حدّة النزاع رغم ما في اجتهاداته من ثغرات ردّ عليها بعض مفكري عصره. وستأتي لحظة الانفصال مع تبجح العلم مع بعض دعاته بأقوال لا تقرّها أديانهم ولا يقرّها دين الإسلام، وكانت هذه النقطة في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر مع نظرية "داروين" وبوضوح في الاتجاه المادي لهذه النظرية.
وقد كانت العلاقة مفروضة من قبل القوى السياسية والاجتماعية ولم يفرضها المنهج العلمي والميدان العقلي الصحيح، فعندما كانت الكنيسة هي الأقوى فرضت رأيها، وعندما اعتدلت قوّة الكنيسة مع القوى العلمانية كانت العلاقة أقرب من حيث العموم إلى التوازن والاعتدال، وعندما انتصرت القوى العلمانية وسادت التيارات المادية الإلحادية فرضت هذه القوى الرأي المخالف للدين ونصرته وبلغت ذروتها في دول ملحدة تطارد من يقرّ ببقايا دينية وتحاربه.
ومن يتأمل تاريخ الفكر الغربي إلى اليوم لاسيّما في قضيتنا وهي العلاقة بين الدين والعلم لا يخفى عليه وجود ثلاثة تيارات تشكل ثلاث منهجيات، نشأت مع المشكلة وما زالت مستمرة إلى اليوم، وهي، الأول: تيار يميل إلى الرأي