للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الالتزام بالموضوعية ولا تحقيق معرفة موضوعية كما يدعي أصحابها منذ ما يقرب من ثلاثة قرون. وعلى هذا فهي تشبه في وظائفها الاجتماعية وظائف الديانات رغم أنها لا تقر بذلك" (١)، ولا شك أنه إذا كان على هذه الحال في مواطن إبداعه فإن أزمته ستكون مضاعفة عند المقلدين.

ومن الطريف أن المكتبة الغربية جريئة في طرح النقد حول إبداعاتها رغم أثر ذلك على النفس بينما نجد صعوبة ذلك في المكتبة العربية، فلو كتب أحد البارزين شيئًا حول ضرورة الاعتراف بأزمة علم الاجتماع في الفكر العربي والجامعات العربية لهوجم وانتقص من أمره، بينما نجد العرض الأكاديمي الناقد في الغرب ويصاحبه العرض المبسط للجمهور الذي يعترف بأزمة العلم، ومن ذلك كتاب صدر سنة (١٩٩٩ م) بعنوان "أقدم لك علم الاجتماع حيث نجد في خاتمته: "إن النظريات الراسخة التي انطلق منها علم الاجتماع في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر ومفاهيم العلوم العقلانية الإيجابية والموضوعية والحيادية، كل ذلك يبدو الآن سخيفًا ومعوقًا وبعيدًا عن الواقع. ويجب أن يكون واضحًا أن علم الاجتماع هو نتاج عصره، وهو يعكس أفكار اهتمامات تلك الجماعات التي تحكم العصر. ." (٢)، ثم يتساءل الكاتب: أيعني ذلك موت علم الاجتماع؟ "لقد مات علم الاجتماع كنظرية شاملة، أو كمجموعة من المفاهيم التي تحاول أن تجد تفسيرًا لكل شيء في مجتمع بعينه. أما من حيث كونه نبضًا يسعى لتطوير رؤية نقدية تحاول أن تفهم مما يجعل المجتمع الإنساني ممكنًا، وأن تفهم أن الفرد مخلوق متغير دائمًا؛ فإن علم الاجتماع ما زال على قيد الحياة. ." (٣)، وهو بالصورة الثانية يكون أقرب للفلسفة ويبعد بذلك عن الصورة الوضعية المعهودة. وما يهمنا أن مثل هذه الاعترافات، فضلًا عن اعترافات أقسى تذكر امتلاء هذا العلم بأفكار مزيفة (٤)، تدفعنا إلى اتخاذ موقف إيجابي من هذا العلم يتجاوز حالة السلبية والاغتراب ويتمثل في خوض غمار التأصيل الإسلامي، كما


(١) انظر: إشكالية التحيز .. ، ملامح التحيز والموضوعية .. ، د. محمود الذوادي ص ٢٦ - ٢٨.
(٢) أقدم لك علم الاجتماع، ريشارد وصاحبه ص ١٨١، ترجمة حمدي الجابري.
(٣) المرجع السابق ص ١٨٢.
(٤) انظر: علماء الاجتماع وموقفهم من الإسلام ص ١٢٧ - ١٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>