للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واقتصادية كانت المجتمعات الغربية تمر بها، وكان على علماء الاجتماع أن يقدموا لمجتمعاتهم صياغة فكرية تمكنهم من تخطي هذه الأزمات" (١)، ولكن وبعد سنين من ظهوره برزت مراجعات يعقبها اعترافات مخيبة للآمال، ومن أقربها ما حدث في الاجتماع السنوي لعلماء الاجتماع الأمريكان سنة (١٩٧٩ م)، واعترافهم بأن أغلب نظريات العلم تعاني أزمة، فـ "لا الماركسية ولا البنيوية ولا الدوركايمية ولا الغيبرية تتمتع الآن بسمعة طيبة. إن الأحلام العريضة التي فتحتها أمامنا لم تتحقق إلا جزئيًا وبصفة هشة. . . . إنه لم يبق أحد ينتظر من كبرى النظريات أن تساهم بصفة إيجابية في القفز بالبحوث الاجتماعية" (٢)، ثم تحدث المؤتمر عن انتهاء "الوضعية" الكلاسيكية وإفلاس "الوضعية المحدثة"، ثم ما تعرضت له "الوظيفية" بعدهما من ضربات قاصمة، وأن قضايا "الوظيفية" قضايا باطلة، وأنها لا تقل إلحادًا عن النظرية "الماركسية". ومثل ذلك عن "الظاهراتية" و"التفاعلية" و"الرمزية" و"البنائية" و"الوظيفية"، فهي أقرب للتقاليع من قدرتها على الصلة بالمجتمع المعاش، وسقطت "الوظيفية" ولم تنجح النظرية "الصراعية" المعارضة لها (٣)، وهكذا تسير النظريات في صراع مع بعضها دون الوصول إلى علم معياري حقيقي.

كما أن عناوين الكتب للبارزين في هذا الميدان بعد السبعينات تعبر عن هذه الأزمة، مثل: "أزمة علم الاجتماع الغربي القادمة"، الذي ذكر مجموعة عوامل تقود هذا العلم إلى أزمة، وكتاب: "تأملات جذرية وأصل العلوم الإنسانية" ليؤكد صاحبه أن أزمة العلوم الاجتماعية أصبحت واقعًا حقيقيًا مع غياب التشخيص لهذه الأزمة، هناك شكوى دون حل، وكتاب: "أمجاد ومآسي العلوم الاجتماعية"، فيرى صاحبه بأنها ليست في أزمة فقط بل هي أقرب إلى لفظ أنفاسها الأخيرة، ويقول: "ولعل الوقت قد حان للاعتراف بأن العلوم الاجتماعية لم تمدنا حتى الآن إلا بزاد معرفي خيالي ومثلها كتاب: "الأساطير المؤسسة للعلوم الاجتماعية"، فـ"يشير المؤلف إلى أن هذه العلوم لم تستطع


(١) علماء الاجتماع وموقفهم من الإسلام، أحمد خضر ص ٤٣.
(٢) المرجع السابق ص ١٢١.
(٣) انظر: المرجع السابق ص ١٢١ - ١٢٢، وحول كل هذه المدارس التي ذكرها يمكن التعرف عليها في: النظرية الاجتماعية من بارسونز إلى هابرماس، إبيان كريب.

<<  <  ج: ص:  >  >>