للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يذكرونه من تعليلات على أنها أسباب جوهرية في رفض التسليم للوحي من مثل السببين السابقين، مما يكشف بأن سبب تركهم الاعتماد على الوحي ليس لأسباب حقيقية بقدر ما هو البحث عن مبرر للهروب من الوحي وابعاده كمصدر (١)، فإذا زعزع هذا المصدر أصبح الباب مفتوحًا للغرْف من المكتبة الغربية ولاسيّما تلك التي ترتبط بعداء مع الدين.

عندما يتجه التيار التغريبي إلى المكتبة الغربية؛ تظن أنه يتجه إلى ركن متين، بينما هو يستقي من علم ولد في مجتمع متأزم وبقي العلم في أزمته بحسب اعترافات رواده ومبدعيه، فهو يعيش أزمة على مستوى النظريات وعلى مستوى المنهج وفي أرض الواقع، ويحسن تكرير التنبيه بأن هذا الكلام لا يهدف إلى التقليل من قيمة علم الاجتماع بقدر ما يهدف إلى تحمل مسؤوليتنا الحضارية في ترك السلبية القاتلة والتقليد الأعمى، وأن نشارك في وضع هذا العلم على قدميه من خلال تقريبه من هويتنا وتأصيله وفق أصولنا. فهو بسبب ارتباط تأسيسه بالظروف الأوروبية بقي شاردًا من الدين محاربًا له إلا فيما ندر، وعلينا على عكس ما يقوم به المتغربون إعادته لوضعه الصحيح والنافع.

إذًا، كان علم الاجتماع نتيجة أزمة، ونتيجة تحولات كبرى في القارة الأوروبية من أيام "سان سيمون" إلى تلميذه "كونت". وهناك محاولات للتفكير ببديل عن الدين الذي انهار في أوروبا الحديثة (٢)، ومن الملفت للنظر أنه مع نهايات القرن الثالث عشر/ التاسع عشر وأغلب الرابع عشر/ العشرين، وكبار منظري هذا العلم هم من اليهود، وربما أزمتهم أكثر كثافة داخل المجتمع الأوروبي (٣) مما جعله علمًا محمَّلًا بتلك الأثقال، يقول "أحمد خضر": "إن الأنشطة الفكرية والنظريات الكبرى لعلماء الاجتماع تمت في أثناء أزمات سياسية


(١) انظر: علماء الاجتماع وموقفهم من الإسلام، الفصل الثالث عشر (فهم الإسلام عبر المكتبة الغربية) ص ١٩٧، وانظر: فيه أيضًا ص ١٨ - ١٩، وانظر: منهج البحث الاجتماعي .. ، أمزيان ص ٩٤، ثمّ الفصل الثاني من الباب الثالث: (ضرورة اعتبار الوحي ضمن المصادر المعرفية لعلم الاجتماع) ص ١٦٥، مع التحفظ على قوله: (ضمن).
(٢) انظر: الفصل الأول والثاني من الباب الأول.
(٣) انظر: الفصل الثاني من الباب الأول.

<<  <  ج: ص:  >  >>