للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذُكر في مقدمة هذا الفصل كان موجهًا لمثل هذه التصورات، وهو إطار لا يعترف بدين الأنبياء، وإنما الدين عندهم هو نتاج ظروف مجتمعية أو مادية أو نفسية، وهو بهذا ظاهرة اجتماعية، وبذلك يصبح علم الاجتماع مع كبار المؤسسين مثل: "كونت" و"ماركس" و"دوركايم" أثناء دراسته للدين على نقيض ما يقوم به علم العقائد واللاهوت، فإذا كان علم العقيدة يدرس الإيمان بالله والرسل والملائكة والكتب واليوم الآخر؛ فإن علم الاجتماع مع تلك الأسماء يقوم على النقيض، فيهتم بإبطال تلك الأصول باعتبارها وهمًا نابعًا من المجتمع أو من الإنسان.

ومن باب التمثيل نقف مع أحد أبرز رواد هذا العلم وهو "ماركس"، فلا تجد كتابًا في تاريخ علم الاجتماع إلا وقد أفرد لماركس مكانة بارزة، وهناك من يعده المؤسس لعلم الاجتماع (١)، بينما هناك من يقول بأنه وإن لم يكن عالم اجتماع ففي الماركسية علم اجتماع ولاسيّما أن نقده للدين أصبح "مصدر إلهام لعدة مقاربات للظاهرة الدينية من منطلق علم الاجتماع" (٢)، فهو تبعًا لتأثره بـ"فيورباخ" يرى بأن الدين وهم، ولكن بينما فيورباخ يُرجع الوهم إلى جانب العجز الإنساني؛ فإن ماركس يراه انعكاسًا للواقع المادي، وأنه بإصلاح الواقع المادي سيزول ذلك الوهم، وأن مستقبل الدين إلى زوال (٣)، وإن ظهر من الجيل الماركسي الأخير التراجع عن مقولة زوال الدين، ويعترفون "بحدود ماركس وأخطائه في ما يختص بالدين" وإن الأقرب بقاؤه (٤).

ورغم كل هذه الصراحة الإلحادية فإننا نجد أحد الاجتماعيين العرب يُعرّف به دون أي تنبيه أو تلميح لهذا البعد حيث يقول: "وقد بدأ ماركس من النقطة التي انتهى إليها فيورباخ، وسيطرة مشكلة الاغتراب على كل مؤلفاته، ولكنه لم يستمر في معالجتها بوصفها مشكلة فلسفية؛ أي: بوصفها جدلًا حول جوهر الإنسان؛ بل اتجه إلى دراستها بوصفها ظاهرة موجودة في الواقع الاجتماعي


(١) انظر: مشكلة العلوم الإنسانية .. ، د. يمنى الخولي ص ١١٩.
(٢) انظر: الأديان في علم الاجتماع، جان - بول ص ١٣، وانظر: تاريخ علم الاجتماع، الجزء الأول مرحلة الرواد، د. محمود عوده ص ١٠٨.
(٣) انظر: وضعية الدين عند ماركس وأنجلز، ميشال برتران ص ١٣٣ وما بعدها، ترجمة صلاح كامل.
(٤) الأديان في علم الاجتماع، جان - بول ص ٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>