للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المادي. فقد أثار سؤالًا مؤداه؛ في أي ظرف يتخلى الناس عن قواهم وملكاتهم الذاتية ويخلعونها على كائنات فرضية متعالية؟ ما هي الأسباب الاجتماعية لهذه الظاهرة؟ وبهذا المعنى فقط ناقش ماركس الدين، وكان بذلك مؤسس علم الاجتماع الديني الحديث" (١)، فكأن علم الاجتماع الديني هو البحث في الأسباب الاجتماعية التي تجعل الناس يتخيلون فرضية متعالية، يخلعون عليها قوتهم، بينما فيورباخ لا يهتم بأسباب اجتماعية وإنما يراه بعدًا إنسانيًا، حين يفترض وجود رب ويخلع عليه رغباته، فيكون العلم بصورته الماركسية على عكس ما تدرس كتب العقائد. ومع ذلك نجد كتابات الاجتماعيين العرب تنخرط في النقل والتعريف، بل التمذهب أحيانًا دون أي وقفة نقدية أو إبداء أي مخالفة.

فإذا غلب على هذا العلم في علاقته بالدين مثل هذا الإطار "الفيورباخي"؛ فستكون أيدلوجية هذا العلم صريحة في نقد الدين وهدمه، أي: أن العلاقة بين علم الاجتماع والدين هي علاقة عداء، وللأسف فقد قام مجموعة من الاجتماعيين العرب بنقل ذلك إلى بيئتنا الإِسلامية، حيث قام نشاطهم -على غرار التجربة الغربية- بالدعوة إلى معارضة الدين وتحويل الإِسلام إلى مجرد تراث ثقافي، وحاربوا الأسلوب الديني والمنهج الديني على أساس عجزه عن الموضوعية التي يتحلى بها العلم، "وتصور هؤلاء على غرار رواد الوضعية أنه لا يمكن أن نحقق الأسلوب العلمي في تناول قضايانا الاجتماعية والثقافية إلا إذا حققنا قطيعة ثقافية مع منجزات الماضي الذي ظل في نظرهم غارقًا في الخرافة والوهم والجهالة الدينية،. ." (٢). وعند حديث أحدهم عن العلاقة بين الاجتماع واللاهوت قال: "تدخل السوسيولوجيا في هذا المجال في صدام مع الدين، وذلك أن الدين مرتبط بالواقع الاجتماعي ومرجع له، فيكون انتقاد الدين جزءًا لا يتجزأ من العمل السيوسيولوجي. كما أن الدين يعتبر تصورًا عرفانيًا لتفسير العالم بحيث يرتبط هذا العالم في هذا التصور بالرب، ولهذا لابد من الصراع بينهما، وهو صراع يتأكد عندما يصبح الدين موضوعًا يدرسه علم الاجتماع، وطموح علم


(١) تاريخ علم الاجتماع، الجزء الأول مرحلة الرواد، د. محمود عودة ص ١١٣.
(٢) منهج البحث الاجتماعي .. ، محمَّد أمزيان ص ١٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>