للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعوجاج كل تاريخ مفوت بابتلاعه في كونيته الناجزة" (١). وقد داهمتنا -بحسب كلامه- هذه الثقافة الكونية الجديدة من القرن الثالث عشر/ التاسع عشر وما بعده، وأصبحت هي ثقافتنا الرسمية الجديدة التي تأسست على الثقافة والعلوم الأوروبية بينما انزوت ثقافتنا الدينية على هامشها (٢).

وأبرز من طبق هذه الثقافة الكونية هو "كمال أتاتورك"، ولذا تُعدّ التجربة الكمالية العنيفة والغاشمة نموذجًا مميزًا عند هذا المتغرب، فألغى أتاتورك الخلافة ومؤسساتها الدينية في مجال التشريع "في زمان لا يحتمل الغيب والمفاهيم اللاتاريخية" كما يقول، وأبعد المؤسسة الدينية عن مجال التربية والثقافة مجاراة لوجهة تاريخية كونية لا تحتمل الدين وغيبياته أسسًا مقبولة للمعرفة والعلم، لقد "جاءت العلمانية الكمالية انخراطًا تامًا في الزمانية العالمية. . . . واستطاعت الانخراط في الكونية"، وأن مجتمعنا العربي كان له توجه عالمي ومشروع تحديثي كوني حضاري أعاقته المؤسسة الدينية بمؤازرة سياسية (٣).

الحقيقة أن العلم الحديث يضيق هنا لدرجة الاختفاء لصالح مذاهب إلحادية، بما في ذلك الإلحاد الماركسي الذي يعدّه نقدًا كونيًا ينطبق على الإِسلام؛ لأنه لا يخرج عن طبائع الأديان (٤)، وهكذا يتخذ العلم ونظرياته غطاءً لهذا الاغتراب الرهيب والتبعية العمياء في صورة افتخارية عجيبة، مفادها أن المتغرب إنما هو أداة نافعة في كونية عالمية عقلانية.

ويسير في المسار نفسه كاتب آخر هو الدكتور "عبد الرزاق عيد"، يُكثر من التركيز على الكونية كتعبير عن الثقافة الغربية التي يحق لها أن تحكم العالم، وكل من وقف ضدها فهو يقف ضد "العقل الكوني الحديث" (٥)، وهو "العقل الكوني المحض" الذي بلغ "الحقيقة العقلية المجردة"، وفيه نجد الحقيقة وليس


(١) العلمانية من منظور مختلف، د. عزيز العظمة ص ٢٨٠.
(٢) انظر: المرجع السابق ص ١٤٣، وانظر: كثرة ترديده لهذا المصطلح مثلًا ص ١٧٤، ١٩٣، ١٩٧، ٢٦٧، ٢٨١، وغيرها.
(٣) انظر: المرجع السابق ص ١٤٠، بتصرف.
(٤) انظر: المرجع السابق ص ٢٧٦.
(٥) انظر: سدنة هياكل الوهم. . . .، د. عبد الرزاق عيد ص ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>