للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحقيقي، فالحقيقة مدارها العقل الكوني المحض، أما الحقيقي فمداره العقل القومي المحكوم بتراثه (١). . . .، وهذا "العقل الكوني الحديث يعتبر نظريات الثلاثة "داروين - ماركس - فرويد" مكونات لابد منها لنظام العقل، لكي ينتمي الإنسان لزمنه وعصره الراهن، فلا يمكن للعقل أن يمارس ذاته بشكل عقلاني -وليس خرافيا وسحريًا- إذا لم يكن قد تشرّب الرؤية الثلاثية هذه للكون والطبيعة والمجتمع والنفس، رغم أن الثلاثة يتعرضون للنقد الدائب والمستمر لا لإثبات حقيقة نظرياتهم أو بطلانها، بل لإدخال هذه الحقائق في السيرورة النسبية للمعرفة، حيث العقل الحديث لا يؤمن بحقيقة نهائية معطاة وإلى الأبد. . . . وإذا كانت الرؤية المعرفية لهؤلاء الثلاثة تلتقي مع الرؤية المادية العلمية الموضوعية لسيرورة الكون، مما يجعلها متناقضة مع العقائد الذاتية والمشاعر الدينية، إلا أن صياغة هؤلاء لأسس الفكر الكوني الحديث وتشبع العقل الغربي بنظرياتهم، لم يقض على الإيمان في هذه المجتمعات. . . ." (٢).

من تناقضات هذا الكاتب -د. عيد- أن جعل الحقيقة المرتبطة بالدين "قومية" مع أن دين الإِسلام دين عام وللبشر جميعًا، أما الحقيقة المرتبطة بفكر أوروبا فهي "مطلقة" مع أنه محكوم فعلًا بواقعه، وإن كان يعود ليجعل المطلق نسبيًا، فهو يعترف بأن ماركس وداروين وفرويد ينالهم النقد لجعل أفكارهم نسبية. مع العلم أن النقد الذي تتعرض له نظريات الثلاثة ليس لإدخالها في سيرورة نسبية، فهذا إن وجد، فمن تيارات متعصبة للعلمانية، ولكن هناك تيارات أخرى تنتقدهم باسم العلم مُبيّنة بطلان مجموعة أساسية من أفكار هؤلاء، ولا شك بأن الطرف الأخير أفضل خدمة للفكر الحديث؛ وذلك أن إزالة الأخطاء والأمراض أو الاعتراف بخطئها أفضل من دمجها في سيرورة الفكر.

والذي يهم الآن التركيز عليه هو هذا التحامل على ثقافتنا وتراثنا وهويتنا، الذي لا يصدر حتى من بعض أعدائنا، في مقابل تعصبٍ لا يقوم به حتى عقلاء المفكرين الغربيين، وهي حالة من الاغتراب المدهش يتفاعل مع التمركز الغربي ليولد لنا فكرًا مريضًا، فكما أن المركزية الغربية ترى عبر دعاتها أن ثقافتهم هي


(١) المرجع السابق ص ١٦.
(٢) المرجع السابق ص ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>