الممثل لنهاية التاريخ وقمة التطور العقلي، فإنها تلقى في المقابل من المتغربين من يتمثل هذا المرض الأيدلوجي، ويكون من أقوى الدعاة له في بيئتنا. وهي حالة مدهشة فعلًا، حيث يزعم كونية الآخر ويدعو لإلغاء ذاتيتنا، وتصوير الدين وكأنه خرافة أو سحر أو مشاعر، أما "ماركس" و"داروين" و"فرويد" فبعيدون عن ذلك.
قد يأتي أحد الغربيين باكتشاف معرفي مهم مما يُقْدره الله عليه، ويناسب هذا الاكتشاف أن يُعمم بحيث يكون أحد المكتشفات في دائرة العلم، وهذا لا يعارضه عاقل، ولكن لا يوجد عاقل أيضًا يجعل من فكر ذلك المكتشف ونظرياته صورة كونية، وإلا فهذا يعني جعل نظرية "ماركس" و"فرويد" حول الدين باعتباره وهمًا وخطرًا -ولابُدّ من التخلص منه إما بالعلاج النفسي مع "فرويد" أو الثورة والصراع الطبقي مع "ماركس"- ذات صورة كونية يجب استيعابها.
والخلاصة أن دعاة الكونية وافتراض شمولية ثقافة الغرب العلمانية يعيشون حالة اغتراب خطيرة، تضيع فيها الفواصل والفروق، ويختلط الأمر، ويصبح المغترب مهمومًا في استيعاب ثقافة الآخرين ونشرها، دون امتلاك معايير الاختيار النافع من الفكر العالمي، ودون امتلاك الهوية المميزة. ونجد في المقابل بعض العقلاء العرب -إن كانت لهم توجهات فكرية غربية- يهاجمون هذه العملية، من دعاوى لكونية النظريات والعلوم دون الوعي بحقيقة الفوارق، وفي ذلك يقول "د. علي الكنز": "وبالفعل فإن علاقتنا بالنظريات الغربية، كأية علاقة وضعية براغماتية "ذرائعية" لا يمكن أن تؤدي إلا إلى النتائج التي توصلت إليها النظريات الغربية قد نتجت عن علاقتها بالعاملين التاليين: خصوصية مجتمعاتها وقضاياها الاجتماعية والتاريخية، من ناحية، والحقل المعرفي الذي نمت بداخله وطورت قضاياها النظرية المحددة. يكمن خطأ علماء الاجتماع العرب -في نظرنا- في اعتقادهم أنه من الممكن استيراد نظريات الغرب بغض النظر عن ارتباطها بهذين العاملين. خطأ فادح يمكن اعتباره "التباسًا تاريخيًا" حقيقيًا"(١)، وهذه المقولة صحيحة حتى في ميدان العلوم الأخرى.
(١) نحو علم اجتماع عربي ص ١٠٠ - ١٠١، نقلًا عن علماء الاجتماع وموقفهم من الإِسلام ص ٣١.