للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حربه على المسلمين؛ أي: أنهم يصنعون للجيش آلات الموت والتدمير، ومع ذلك تغفله تلك المراجع التغريبية بخلاف بعض بني جنسهم، حيث وصف فعل هؤلاء العلماء "كرستوفر" بـ "الحمير العلميين" للجيش الفرنسي (١).

هكذا ظهر المجمع أنه لخدمة الحملة لا لخدمة المسلمين، فلماذا لا تصرح تلك الكتابات التغريبية بأن هذه البعثة العلمية، ما كانت إلا أداة في يد الاستعمار إن لم يكونوا من رواد الاستعمار، وحتى إنجازهم الذي تتسابق بمدحه أقلامهم وهو كتاب: "وصف مصر" بأجزائه العشرة من النصوص وأربعة عشر مجلدًا من اللوحات في ثلاثة أعوام، فإن مثل هذا الكتاب الذي ظهر في فترة ازدهار الاستشراق الاستعماري يجعله موطن اشتباه، هل هو دراسة علمية خالصة لوجه العلم، أو هو كتاب يفحص تلك المستعمرة المأمولة لمعرفة جوانب القوة والضعف فيها؟! لابد في هذا المقام أن نفرق بين نوعين من الأثر، نوع يركز عليه دعاة التغريب وكثير من كتاب نصارى العرب: وهو أن الحملة كانت خيرًا على هذه الأمة، وأنها قصدت نفعنا، وأنها أيقظتنا بما فرضته علينا من منافع ودراستنا من علوم وأفكار، فهذا النوع هو من تعاطف القوم مع بني جنسهم، أو مع من هم على هواهم وشاكلتهم (٢)، وإلا فالاستعمار ما كان هدفه يومًا إنقاذ أمة وترقيتها.

وأما النوع الآخر من الأثر: فهو صدمة المسلمين بجرأة بلد كافر يُقْدِم على احتلالهم؛ ثم يجدون عدّتهم المادية في مواجهته ضعيفة، ويجدونه قد تقدم ماديًا في قوته العسكرية والصناعية والدنيوية، وأنّ خلْف هذا التقدم أسبابًا بذلوها ترجع في أغلبها إلى الاستثمار للعلوم الرياضية والطبيعية، هذه الصدمة ورؤية حال القوم المحتلين لبلادهم أيقظت في الأمة جوانب التحدي والقوة، وهذه حال الأمم القوية وإن هزمت في معارك عسكرية؛ فإنها لا تستسلم بسهولة، بل تحاول تصحيح وضعها، أما الأمم الضعيفة فإنها تسحق أو تتلاشى في أحشاء الغالب.


(١) انظر: المرجع السابق، الصفحة نفسها.
(٢) ككلام "جرجي زيدان" السابق، ومثله محاولات التشويه لحقائق التاريخ في كتاب "لويس عوض" تاريخ الفكر المصري الحديث من الحملة المصرية إلى عصر إسماعيل، وممن كشف زيفها الدكتور محمَّد كشك في كتابه: (ودخل الخيل الأزهر).

<<  <  ج: ص:  >  >>