للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طويلة. ومن باب المثال نجد أن من أهم معالم البناء المنهجي في كتب العقائد الكلامية الابتداء بدليل حدوث الأجسام، ولهم في إثبات ذلك طرق أهمها الاعتماد على مفهوم الجزء الذي لا يتجزأ أو الجوهر الفرد الذي يعبر عن أصغر شيء في الأجسام، ويعدون هذا الدليل دليلًا عقليًا قويًا على إثبات حدوث الأجسام، ومن ثم فلكل حادث محدث إلى نهاية السلسلة (١).

وهو دليل تتشابه فيه الاستدلالات الكلامية عند متكلمي المسلمين وعند غيرهم من الملل الأخرى، ولكن مع المتغيرات في الفكر الغربي، ضعفت العناية به داخل الإطار المديني واللاهوتي وتحول إلى قضية فلسفية وميتافيزيقية، ووجدت النظرة الذرية أنصارها من أمثال "جاليليو" و"بويل" و"نيوتن" (٢)، ولكنها بقيت في الإطار الفلسفي ذاته.

خرجت فرضية الذرة بوصفها مفهومًا فلسفيًّا وكلاميًّا من دائرة الفلسفة لتدخل إلى دائرة العلوم الجديدة التي بدأت تستقل بنفسها عن الفلسفة وتعتمد على منهج الملاحظة والتجريب. وكان أول من أخضع الفرض الذري للتحقيق التجربيي "دالتون" في الكيمياء ونقلها فيما بعد "فرداي" وغيره إلى الفيزياء (٣) لتصبح في مطلع القرن العشرين (١٤ هـ) وما بعده أهم موضوعات الفيزياء وأكثرها شهرة.

ومسيرة فرضية الذرة داخل العلم الحديث مسيرة عجيبة، وهي تختلف عن تلك المسيرة المعهودة عند السابقين، فهي عند أصحاب العلوم الحديثة فرض يتعلق بعالم المادة من حولنا، وربما يمكننا من خلال فهم الذرة استثمار تلك المعرفة في إحداث تغييرات أو تركيبات في المواد، لينتفع الناس بها تبعًا للغاية التي تسعى إليها علوم الطبيعة، وهو السيطرة على الطبيعة قصد الانتفاع بها. فقد كان الفرض الذري أحد أهم أسباب التقدم في علم الكيمياء، فمن خلاله تم ترتيب العناصر الكيميائية، ابتدأ ذلك دالتون ثم طورها مندليف، وخلاصتها: بما


(١) انظر مثلًا: التصور الذري في الفكر الفلسفي الإِسلامي، د. منى أحمد أبو زيد ص ١٥ - ٤١ ص ٢٢١ وما بعدها.
(٢) انظر: من نظريات العلم المعاصر إلى المواقف الفلسفية، زيدان ص ١٥.
(٣) انظر: فلسفة العلوم، بدوي ص ٢٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>