للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن هناك شبه اتفاق على أن كل عنصر مكون من ذرات، وأنه بحسب اجتماع الذرات أو افتراقها تتكون المواد، وهذا يعني بأن لكل عنصر موجود عددًا ذريًّا يجعل وزنه مختلفًا عن الآخر. ثم حصروا ما يعرفون من عناصر في زمنهم، ووضعوا أخفها معيارًا للقياس على أن يكون وزنه المقترح رقم واحد، وكان أخف ما وجدوه الهيدروجين، ثم يقيسون بما بين أيديهم من أدوات كميات مساوية لكمية الهيدروجين، فما زاد إلى الضعف يكون رقمه أو وزنه الذري اثنين، وما زاد ثلاثة أضعاف يكون وزنه ثلاثة، وهكذا، وبهذا تم ترتيب العناصر ترتيبًا علميًا، وبعض عناصر الجدول بقيت فارغة؛ لأنهم لم يجدوها إلى أن اكتُشفت فيما بعد (١). وهذا الترتيب المتفق عليه عندهم يدلس على أن الله سبحانه قد خلق عناصر الطبيعة وفق ترتيب بديع، مما جعل مجموعة من العلماء المعاصرين يجعلونه مدخلا للاستدلال على عظمة الخالق سبحانه، ويشعرون بآية من آيات الله في خلقه (٢).

ولكن الذرة تبقى فرضًا، ولم يستطع أحد آنذاك إثبات وجودها الواقعي، إلى أن جاءت تجارب "ماكسويل" حول الغازات ليؤكد فرضية الذرة بصورة أكبر في علم الفيزياء، ومع ذلك يبقى الجميع على الاعتقاد بأن الذرة جسيم لا ينقسم (٣)، كالتصور المعروف عند بعض المتكلمين.

وتأتي اكتشافات مذهلة ومتلاحقة في نهايات القرن الثالث عشر/ التاسع عشر تفتح الأعين عن عالم عجيب، وتدخلنا في مساحة هائلة مدهشة، رغم أنها حيز صغير لا يمكن رؤيته، وإنما يعرف فقط بآثاره، وتحول الفرض إلى شبه حقيقة، واكتشف علماء الفيزياء بأنه ليست المسألة مسألة الذرة فقط بل أبعد من ذلك؛ فالعجب هو من العالم الذي بداخل الذرة، والذي بدأ يظهر لنا جزء صغير منه.

بدأت هذه الاكتشافات تأخذ حيز الدقة مع "طومسون" (١٨٥٦ - ١٩٤٠ م) الذي اكتشف أشياء مهمة عن عالم الذرة ولاسيّما حول الإلكترون، على أن


(١) انظر: من نظريات العلم المعاصر إلى المواقف الفلسفية، زيدان ص ١٥، وبدوي السابق ص ٢٢٤، وانظر: مدخل إلى فلسفة العلوم، الجابري ص ٣١٨ - ٣٢٣.
(٢) انظر: شهادات مجموعة من العلماء في: الله يتجلى في عصر العلم، مثلًا ص ٢٨.
(٣) انظر: من نظريات العلم المعاصر إلى المواقف الفلسفية، زيدان ص ١٥ - ١٦، وانظر: مدخل إلى فلسفة العلوم، الجابري ص ٣٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>