للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حقيقي؟ قد نجد ما يرفع إشكال هذه العبارات القلقة في موقف آخر لهذا المفكر هو موقفه من العلمانية (١)، فهو من دعاتها البارزين، ومعلوم أن المفهوم العلماني يتضمن تصورًا عن الحياة يخالف تمامًا التصور الإِسلامي بما في ذلك الجانب الأخلاقي، كما أن المفاهيم الضيقة التي جعلها "زكي" لكل من "الدين" و"العلم" و"القيم" تزيد من بيان موقفه الحقيقي، فالدين يتحول إلى وجدان لا يملك المعرفة اليقينية الموضوعية، والعلم يضيق ليكون هو المحسوس فقط، وتبعًا لذلك يضيق مفهوم القيم.

عند مقارنته بين الأخلاق عندنا القائمة على الوحي والأخلاق في الغرب قال: "هذا لا يعني البتة أن الإنسان الغربي يفتقر إلى مبادئ الأخلاق. ومن الرعونة أن يتصور بعضنا أن حضارة الغرب لا شأن لها بالأخلاق، وأننا وحدنا الموكلون بها. والأحرى أن أخلاقهم لا تختلف عن أخلاقنا لكنهم لا يعتقدون مثلنا أن مصدرها الوحي، وأنها بالتالي، لا يمكن أن تتغير، إنها في نظرهم، نوع من الفروض العلمية تمامًا" (٢)، وسيظهر أن مسألة التغير ذات صلة بنسبية الأخلاق التي هي امتداد لتأثره بالوضعية، وهي موجودة هنا تلميحًا، وهي صريحة في الطريقة التوفيقية التي يقترحها لقبول التغير في المجال الأخلاقي مع الثبات على المبادئ، وبهذا نضمن الجمع بحسب رأيه بين تراثنا وعصر العلم الذي محور عليه دعوته، وهي تتجلى هنا في أن ما نأخذه من تراثنا هو اللفظ بينما نأخذ من العصر المحتوى، وبهذا يحافظ المسلم على تراثه وعلى مكتسبات العصر (٣)، وهي نظرة متغربة في جوهرها وإن تلبست بلباس التوفيق، فإن الدين حقيقته في المعاني التي يحملها بألفاظها الشرعية، أما هذا العمل فهو نوع من التأويل الكلامي وربما الباطني المشهور في تراثنا وتراث غيرنا، وكان الأقرب عكس المعادلة رغم ما فيها من مشكلات، وهو أخذ القوالب النافعة والتنظيمات المنهجية الجيدة وملؤُها بمحتوى إسلامي، وإن كانت حتى هذه محفوفة بمخاطر كسابقتها، ولكنها الأقرب بمنطق العقل في المحافظة على التراث والهوية.


(١) انظر: الفصل الأول من الباب الثالث من هذا البحث، فهناك وقفة خاصة مع هذه المواقف العلمانية.
(٢) تجديد الفكر العربي ص ١١٢.
(٣) انظر: المرجع السابق ص ٢٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>