للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المشكلة، ولن تتوقف إلا بزاجر أعلى، فقد كشف تاريخ الفكر أن حلّ الباب الأخلاقي لا ينتظم إلا بدين، والدين لا يقوم إلا بالإيمان بالله، الذي يعد الإيمان به هو منبع الأخلاق النافعة، أما حال المتغربين فحال عجيب، فهم يجعلون المرجعية الممكنة هي نفسها التي جلبت المرض الأخلاقي.

ويتذرع المفكر السابق في موطن آخر بأوهى الحجج في عدم إمكانية أخذ الأخلاق من الإِسلام، وهو يقترح علينا القيم الاشتراكية على أن يزال التعارض بينها وبين القيم الإِسلامية الذي اصطنعه البعض، وأما المعترضون عليها بحجة كونها قيمًا مستوردة، فجوابه أنه لا حل للمعترضين إلا بذكر مبادئ دينية عامة، مصيرها في النهاية أن تُحمّل بمضامين رأسمالية أو اشتراكية، فكأنه يقول: لماذا لا نختصر الطريق، ونأخذ بالقيم الاشتراكية التي يرتئيها لنا، لاسيّما أن "المواقف التي نواجهها في عالمنا المعاصر تبلغ من التعقيد حدًا يكاد يستحيل معه الاهتداء إلى كل الإجابات التفصيلية في النصوص الدينية، ومن هنا كان من الضروري الاستعانة بالتجارب الحديثة. . . ." (١).

يشترك أكثر العقلاء في العالم الإِسلامي في أهمية الأخذ بأسباب القوة وأسباب النفع، ومن ذلك الدعوة لأهمية العناية بالصناعة والتصنيع، ويدرك الجميع الأبعاد القيمية والأخلاقية المترتبة على هذا التحول، ومن ثم يفترض أن يبذل الجهد للتنظير الأخلاقي الذي يحمي المسلم من آفات التصنيع ويحفظ له دينه وقيمه وإنسانيته، ولكن نجد تصورًا آخر يطرحه المفكر السابق، فيجد أن لذلك أبعادًا لابد أن ننحني أمامها، فطلب التصنيع مثلًا "يرتبط في الوقت ذاته بنظرة أرحب وأوسع نطاقًا إلى معايير الأخلاق. ففي المجتمع الإِسلامي تسود نظرة إلى الأخلاق تجعل للسلوك الجنسي مكانة رئيسية. بل إن هذا السلوك، في نظر الإنسان العادي، يكاد يكون مرادفًا للأخلاق. فالأخلاق الصحيحة تعني، قبل كل شيء، العفة الجنسية، والنموذج الأكمل للإنسان هو الذي يتقي الله في شؤون الجنس قبل غيرها. وكثير من رجال الدين الإِسلامي حين يعددون مظاهر الانحلال في المجتمعات الحديثة، يركزون حديثهم على الاختلاط بين الجنسين، وعلى ملابس المرأة، وعلى الأعمال الفنية الخليعة، بوصفها أساس الشرور التي يعاني منها الإنسان.


(١) انظر: الصحوة الإِسلامية في ميزان العقل، د. فؤاد زكريا ص ١٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>