للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أن الانتقال إلى التصنيع يستتبع حتما توسيع نظرتنا إلى الأخلاق بحيث لا يقل اهتمامنا بالجانب الاجتماعي العام من سلوك الإنسان عن اهتمامنا بسلوكه الشخصي. . . . وأغلب الظن أن الاهتمام بالجانب الشخصي من سلوك الإنسان كان مرتبطًا بوقت كانت فيه العلاقات الاجتماعية أبسط بكثير مما هي عليه الآن، وبنظام من القيم الثابتة التي كان يفرضها على الناس عرف سائد. . . ." (١).

ويحوي الكلام على عدد من المغالطات، منها تضييق الأخلاق في المجتمع الإِسلامي وكأنها الأخلاق المتعلقة بالجنس فقط، والأمر على خلاف ذلك، وهو لم يذكر الدليل على قوله، ولكن في المقابل فإن المجتمع الصناعي قد أثّر كثيرًا على أخلاقيات عامة بين الجنسين، فكان الأولى عند طلب التصنيع الانتباه لتجربة الأمم الصناعية التي أخلّت بالأخلاقيات بين الذكر والأنثى (٢)، أما الأخلاقيات العامة فلا يشترط استخدام ألفاظ المؤلف في العناية بها، ولو تأمل لوجد عناية بها داخل الفكر الإِسلامي ولكنها بمصطلحات أهل الإِسلام، ومع ذلك فلا يشك أحد بأهمية العناية بأخلاقيات الجانب الاجتماعي كما هو مهم العناية بأخلاقيات الجانب الفردي، ومن تأمل في واقع الفكر المعاصر عرف تميز الفكر الإِسلامي -الذي يعارضه هذا المفكر- في هذه الجوانب جامعًا بين الأخلاق الفردية والاجتماعية.

وفي النهاية فما يلاحظ عند مفكر ينتمي للفكر العلمي العلماني: تمييعه للأخلاف الدينية وفتحه الباب لأخلاقيات نشأت في مجتمعات علمانية، والطلب بملاحقة إنتاجهم الأخلاقي المصاحب للتطورات العلمية الجديدة والصناعات والمكتشفات.

تَتبعَ باحثٌ آخر النشاط العربي في الأخلاقيات التطبيقية التي اضطر الغرب للبحث فيها بعد ظهور الأزمات في هذا المجال والإشكاليات التي تفتحها، ومع ذلك لا نجد إلا مزيدًا من الانغماس في أخلاقيات علمانية لا صلة لها بالدين،


(١) المرجع السابق ص ١٣٦.
(٢) انظر كلام محمَّد قطب عن أثر الصناعة في الأخلاق ولاسيّما على الأسرة: مذاهب فكرية معاصرة ص ١١٩ - ١٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>