للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكانوا ممن يبحث النجاة في غير موضعها (١).

من بين من يتحدث كثيرًا عن هذه الأخلاقيات الجديدة، والتغير في مجال الأخلاق على أنه تطور، ومتعجبًا في الوقت نفسه من تأخرنا في اللحاق بهم، يأتي الدكتور محمَّد أركون، فيقول: "حصل في الفكر الحديث تطوران أساسيان فيما يخص الأخلاق والقيم. أولهما أننا نلاحظ اليوم زوال التفكير الأخلاقي التقليدي. وهذا الزوال ناتج عن انتقالية فعالية التفكير هذه من مطرحها السابق إلى ساحة العلوم المعيارية الأخرى. . . ."، ثم بيّن كيف تهتم الدول الحديثة بتشكيل لجان "لتقييم الفعاليات الجديدة الناتجة عن اكتشافات العلوم وذلك بشكل أخلاقي"، ومثّلَ بالقضايا الطبية الجديدة، ثم ذكر أن هذه اللجان العليا تصطدم مباشرة بالتطور الثاني "الذي أصاب إمكانية التقويم الأخلاقي ذاتها في الصميم. فهي لم تعد بدهية ولا مضمونة سلفًا؛ نظرًا لتشعب المعرفة العلمية النقدية وتوسعها. . . ." (٢). ويزعم لنظرته في الأخلاق انتماءها لـ"الروح العلمية الجديدة" بخلاف الأخلاق المنتمية للفكر التقليدي المغلقة، التي لن يتقبل أهلها مثل هذه الروح الجديدة، ويقول: "وبالطبع فلا يمكن للرؤى الأخلاقية التي ظهرت وترعرعت داخل التراث الفكري المحكوم بالإِسلام أن تبقى بمعزل عن تأثيرات المناخ الجديد الذي خلقته الثورات العلمية في هذا القرن العشرين. ولكن الحركات الإِسلامياتية وبشكل عام جميع المسلمين المتعلقين بالأشكال التقليدية للمعرفة يرفضون بقوة أي تساؤل، أو نقد للقيم الأخلاقية المرتكزة "بشكل صحيح بحسب رأيهم وتصوراتهم" على المحورية الأخلاقية القرآنية. ويرى أصحاب هذا الموقف أنه لا يوجد، ولا يمكن أن يوجد، إلا رؤيا أخلاقية وحيدة للإسلام. وإنّ هذه الرؤيا خالدة أبدية. . . . ولا تخضع لتقلبات التاريخ. . . ." (٣). وهذا جزء من المغالطات التي ينشرها هؤلاء، بداية بدعوى نظرته العلمية للأخلاق، فإذا تجاوزنا مصطلح العلمية إلى تفاصيلها لا نجد تلك


(١) انظر: الفلسفة العربية المعاصرة والفكر الأخلاقي الجديد، عبد الرازق الدواي، ضمن كتاب الفلسفة في الوطن العرب في مائة عام. . . . ص ١٢٧ وما بعدها.
(٢) الإِسلام: الأخلاق والسياسة، محمَّد أركون ص ٨٣، ترجمة هاشم صالح.
(٣) المرجع السابق ص ٨٤، و"الإِسلامياتية" هكذا يترجمها المترجم وتعريفها عنده ما ورد بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>