من العلم حتى تجد الاحترام لقوله والثقة في مقولته، وذلك أن المسلم يحترم العلم، ففي دينه من الحثّ على العلم وتعظيمه ووضع الأجور عليه وتمييز أهله ما يجعل في وعي أغلب المسلمين مثل هذه المنزلة للعلم. وربما لهذا السبب يجدها أهل التغريب أسلوبًا مناسبًا للتضليل؛ لأننا إذا بحثنا عن محتوى ما يزعمون علميته إذا هي نظريات علمية حولها التباس شديد أو اختلاف كبير، ويجعلون هذا النوع مقدمًا على الوحي بحجة انتمائه للعلم، ثم يجعلون مكونات النظرية دليلًا على بطلان المصادر الدينية أو التشكيك فيها. إذا نظرنا إلى الجيل التغريبي الأول نجد العلم عندهم هو في النهاية النظرية الدارونية بعد تعميمها على جميع التصورات والنشاطات، والعلم والعمل، الماضي والحاضر والمستقبل، الدين والدنيا والآخرة، وكل شيء، إذًا فبديل النص الشرعي هو النظرية الدارونية، أصبحت الدارونية هي دينهم وهي مصدرهم في الوقت نفسه، فإذا تجاوزنا مسألة "التبعية"، ومسألة "الصراع"، ووقفنا مع الجانب المعرفي فقط، فإننا نقف مع موقف متهافت لا وزن له، أكتفي بأمرين يوضحان ذلك:
الأول: التعميم غير العلمي لنظرية علمية.
ظهرت تعميمات فلسفية لنظريات علمية مع التيارات العلمانية الغربية، سواء كانت النظريات ذات مكونات صلبة أو لم تكن، وقع تعميم لنظريه نيوتن وداروين مع الماديين، أو ما حدث في القرن الرابع عشر/ العشرين من تعميم فلسفي للنظرية النسبية لأينشتين أو نظرية فرويد النفسية أو حتى تعميم النظرية اللغوية لسوسير لتصبح نظامًا فلسفيًا يحوي عوالم كثيرة. ثم أصبحت هذه التعميمات مذاهب مشهورة داخل الفكر الغربي، وبدأت عبر نَقَلتها تنتشر في بلاد المسلمين.
بينما النظرية العلمية هي جزئية تدل على قضية جزئية مهما اتسع مجال تفسيرها، والانتقال من الجزئي إلى الكلي لاسيّما بتحولها إلى نظام فلسفي لا يعد علمًا، بل فلسفة، والأمور الكلية والمذاهب الفلسفية لا يمكن إلحاقها بالعلم؛ لأن شروط قبولها تختلف عن شروط قبول العلم؛ أي: أن المذهب الداروني لا صلة له بالعلم إلا من خلال التعميم لنظرية علمية، وإذا كانت النظرية ذاتها لم تُقبل بكل مكوناتها، ولم تصح بكل عناصرها فكيف يصح التعميم الفلسفي بالاعتماد عليها؟ فضلًا عن أن أي تعميم فلسفي إنما هو تأمل ذاتي، لا يدخل كما سبق تحت شروط التحقق العلمي.