والنتيجة: أنهم يدّعون تقديم العلم، بينما ما يقدمونه هو مذهب فلسفي أو اجتهاد فكري شخصي "الدارونية مثلًا التي دعا إليها العرب المتغربون هي تعميمات "بوخنر" أو "سبنسر"". فيكون حالهم دائرًا بين أمرين: إما الجهل أو التجاهل، وهما أمران واردان ملتصقان بتيار التغريب، فالمقلد جاهل يحاول التعلم ولكنه كان فريسة علم لا ينفع، والمتجاهل هدفه إخفاء نواياه عن طريق تلبيس المذاهب الفلسفية لباس العلم.
الثاني: تقديم الظني في أحسن أحواله على اليقيني.
يعيش الغرب في تنبيه ويركض لاهثًا يبحث عن مصدر منذ أن فقد الوحي، لم يعد يثق في الدين ومصدريته ومع ذلك لم يجد المصدر الذي يجد فيه كل ما يحتاجه ولاسيّما في عالم الغيب والروح، فبقي بسبب علمانيته ووضعيته أسير مصادر لا تتحمل ما حُمّلت من أثقال؛ لأن لها حدودها. ومع ذلك فقد نجد ما يفسر اكتفاءهم بمصادرهم وتقديمها على الدين، مع أنهم غير متفقين على جعل العلم المصدر الوحيد.
ولكن هل يصح من الجاهل بالشيء، أو الذي لا يمكنه التحقق من دعواها، أن يعلن وضع النظريات العلمية في مقام النصوص الشرعية؟
دعوى تقديم تلك النظريات العلمية على النصوص الشرعية فضلًا عن القول بالاستبدال دعوى لا تصح أخلاقيًا أو عقليًا -وهذا من باب التنزل في المجادلة-، كيف؟
لقد ركّز أهل التغريب على النظريات التي هي موطن خلاف حتى داخل الإطار العلمي، وأهملوا الحقائق العلمية والموضوعات العلمية النافعة البيّن نفعها، وهو يكشف أن في الأمر ما وراءه، فهذا يكشف الجانب الأيديولوجي والأخلاقي، ومع ذلك نكتفي بالبعد المعرفي في الموضوع، فيقال بأن هذه الدعوى لا تصح على سبيل التقليد فقط، فلابد أن يتمكن المسلمون -عبر فريق منهم ممن يوثق به- من أساليب التحقق من النظرية، فالنظرية هي في النهاية نتيجة ملاحظة وتجارب وحسابات وافتراضات، وكلها تحتاج إلى امتلاك أدواتها.
فإذا أخذنا النموذج المقدم باسم العلم عند الجيل التغريبي الأول، وهو النظرية الدارونية نجد أن دعاتها من العرب لا يملكون أي أداة تؤهلهم للتحقق سوى ثقتهم في المتبَعين، ونضرب على ذلك أمثلة: