للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مجادلتهم بأدلة عقلية دلّ عليها الشرع، وقد عرض شيخ الإِسلام ابن تيمية -رحمه الله- هذه المسألة المهمة في كتبه، وهذا تلخيصها: "الدليل الشرعي قد يكون سمعيًا وقد يكون عقليًا.

فالدليل الشرعي يراد به أمران:

١ - أن الشرع أثبته ودل عليه.

٢ - ويراد به أن الشرع أباحه وأذن فيه.

والآن بيان المراد من النوعين السابقين:

١ - الدليل الشرعي الذي أثبته الشرع ودل عليه، له صورتان:

الأولى: أن يكون معلومًا بالعقل أيضًا، ولكن الشرع نبه عليه ودل عليه، فيكون "شرعيًا عقليًا ومثاله: الأدلة التي نبّه الله تعالى عليها في كتابه العزيز، من الأمثال المضروبة وغيرها الدالة على توحيده وصدق رسله، وإثبات صفاته وعلى المعاد، فتلك كلها أدلة عقلية يعلم صحتها بالعقل، وهي براهين ومقاييس عقلية، وهي مع ذلك شرعية.

الثانية: أن يكون الدليل الشرعي لا يعلم إلا بمجرد خبر الصادق، فإنه إذا أخبر بما لا يعلم إلا بخبره كان ذلك "شرعيًا سمعيًا".

وكثير من أهل الكلام قديمًا -ومثل ذلك طوائف من المفكرين حديثًا- يظنون أن الأدلة الشرعية منحصرة في خبر الصادق فقط، وأن الكتاب والسنة لا يدلان إلا من هذا الوجه. ولهذا يجعلون أصول الدين نوعين: "العقليات والسمعيات" ويجعلون القسم الأول مما لا يُعلم بالكتاب والسنة.

وهذا غلط منهم، بل القرآن دلّ على الأدلة العقلية وبينها ونبّه عليها، وإن كان من الأدلة العقلية ما يُعلم بالعيان ولوازمه، كما قال -تعالى-: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣)} [فصلت: ٥٣].

٢ - الدليل الشرعي الذي أباحه الشرع وأذن فيه:

يدخل في ذلك ما أخبر به الصادق، وما دلّ عليه ونبه عليه القرآن، وما دلت عليه وشهدت به الموجودات" (١)، ثم أعقب هذا الكلام بقوله:


(١) درء تعارض العقل والنقل، ابن تيمية ١/ ١٩٨ - ١٩٩ والترتيب من الباحث.

<<  <  ج: ص:  >  >>