للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طريقة علماء الحملة أذكى من طرق نابليون، وإذا كان ما حرك الولاة في البلاد الإِسلامية هو نابليون بسياسته وإدارته وجيشه؛ فإن ما حرك علماء المسلمين وأذكياءهم هو حال علماء الحملة بعلومهم ومختبراتهم وصناعاتهم، لذا كانت حوارات العلماء حول هذه الحملة هو كيفية التخلص منها عسكريًا من جهة، وكيفية التعرف على ما عند علماء الحملة من علوم مكنتهم وزادت من قوتهم من جهة أخرى، وهذه كانت أهم نقطة اتصال لأهم شريحة من المجتمع الإسلامي بالعلوم العصرية، ولكن لم يُترك لها الأمر في تحديد الطريق المناسب لإدخال هذه العلوم إلى بلاد المسلمين، فبقي الأمر بينهم يدور على وصف ما شاهدوه من عجائب هذه العلوم، والذي يظهر أن الولاة آنذاك لم يكونوا حريصين على الانطلاق من هؤلاء المشايخ المحبين لمثل هذه العلوم؛ لذا أبعدوا الأزهر عن مثل هذا الباب، وحتى البعثة المشهورة التي عرفت بالطهطاوي وهو من الشيوخ المتخرجين من الأزهر إنما أُدخل في البعثة كإمام لها, ولكنه بعد أن فاق مجموعته وعاد -وهو العارف بالأزهر وعلومه- قام بعمل نقطة الوصل بين المجتمع وهذه العلوم العصرية لاسيّما في النخبة المهمة وهم الأزهريون.

هكذا كانت نقاط التعرف الأولى للمجتمع عبر احتكاك بعض الفضلاء بعلماء الحملة من جهة ولسماعهم أحاديث المبتعثين العائدين أو اطلاعهم على كتاباتهم من جهة أخرى ولاسيّما في نخب مصر وزوارها لاسيّما من قاصدي مجاورة الأزهر.

الصورة الثانية: مدارس الأقليات: وهي المدارس النصرانية واليهودية الجديدة المفتوحة للأقليات في بلاد المسلمين، إذ حدث توجه كبير في الغرب -توافق مع مرحلة التهيؤ الاستعماري- تمثّل في حملة واسعة لتعليم إخوانهم العلوم العصرية، وللأسف فقد بقيت هذه المدارس لسنوات تُخرّج الماهرين بالعلوم العصرية ليتسلموا الوظائف المهمة عند أغلب الولاة المسلمين لسنين كثيرة، بينما أهمل هؤلاء الولاة فتح ما يحتاجونه من مدارس للمجتمع ليتخرج منها من يسد حاجتنا في تلك الأبواب (١)، وكان ظهور تلك المدارس وقت توجّه الغرب بإرسال الإرساليات الهائلة إلى بلاد المسلمين بعد أن جاءتهم الفرصة،


(١) كانت المدارس التي فتحها "محمد علي" في مصر تخدم الجيش فقط أو الوظائف المهمة لسلطته، كما أنه لم يوجد منها معاهد عليا كالكليات التابعة للإرساليات.

<<  <  ج: ص:  >  >>