وجَمعت مدارسهم بين تعليم الدين النصراني والعلوم العصرية، فكانت طريقًا آخر لتعرف المجتمع الإسلامي على تلك العلوم، وبسبب تأخر الأنظمة السياسية في معالجة الوضع؛ فقد انخرط كثير من أبناء المسلمين في تلك المدارس بعد أن وجدوا أن الوظائف والمراكز المهمة يتولاها الخريجون منها.
الصورة الثالثة: مدارس الولاة: بعض ما فتحه الولاة من مدارس في مصر والأستانة وتونس وإيران تهتم بالعلوم العصرية، عيبها أنها كانت في الغالب موجهة لخدمة الجيش، ولكنها لا شك قد كانت منفذًا لتعرف -ولو بنسبة قليلة- بعض المجتمع على هذه العلوم، وقد كان بعض معلمي الأزهر يُدرّسون بعض المواد في تلك المدارس الجديدة، مما يعني اطلاعهم على مثل هذه العلوم. وكان الأصل أن تكون هذه المدارس المنفذ الجيد لاطلاع المجتمع على حقيقة هذه المعارف وعلى ما نحتاجه منها، وأن تكون نواة تطور تلك العلوم؛ ولكن ربما بسبب ارتهانها لخدمة الجيش؛ صيرها ذلك الحال مدرسة عسكرية؛ مما قلّل من انفتاحها على المجتمع وأبعدها عنه، لذا لم تكن موطنًا اختياريًا لطلبة العلوم ولا كانت قادرة على تطوير العلوم (١).
الصورة الرابعة: الصحافة الأهلية: لاسيّما في الربع الأول من القرن الرابع عشر تقريبًا/ الربع الأخير من التاسع عشر، ولاسيّما تلك التي يحررها النصارى الشوام في مصر، فقد كانت بطبيعتها موجهة للرأي العام، يقرؤها الجميع بخلاف الكتب العلمية وما في بابها، وكان أشهرها آنذاك:"المقتطف" و"الهلال"، حيث كانت الأولى تركز على العلوم الطبيعية، بينما الثانية تركز على الفكر والعلوم الاجتماعية والإنسانية، في وقت كانت الصحافة هي الوسيلة الوحيدة المتاحة أمام الجمهور المتعلم، فلا يوجد آنذاك وسائل أخرى تنافسها مما يجعلها ذات مكانة في المجتمع، كما أن المشغلات للناس كانت قليلة مما يزيد من تأثير تلك الوسائل.
(١) عرضت مجلة المنار مقالًا نقديًا عن (آثار محمد علي في مصر)، ومما فيه عن مدارسه: (كانوا يختطفون تلامذة المدارس من الطرق وأفناء القرى -الأفناء: الناس المجهولون- كما يختطفون عساكر الجيش، فهل هذا مما يحبب القوم في العلم ويرغبهم في إرسال أولادهم إلى المدارس؟ لا بل كان يخوفهم من المدرسة كما كان يخيفهم من الجيش)، مجلة المنار ٥/ ١٧٥، سنة (١٣٢٠ هـ -١٩٠٢ م).