للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التفسير بالملاحظة والتجربة والاكتفاء بها بوصفها مُعطىً ظاهرًا، والسكوت عما سوى ذلك، وعدم قبوله في التفسير إلا إذا أمكن التأكد منه، ولكن لا يعني هذا الموقف العلمي الرفض المطلق لوجود أسباب أعلى، وإنما يقولون: ليس ميدانها التجربة والحس والملاحظة.

وهو موقف فيه جزء من الصواب من وجهة دينية بحسب نظري؛ فإنه في بابه يبحث في تخصصه ويحاول اكتشاف مثل هذه الظواهر والتعبير عنها بنظريات وقوانين، ويكتفي بذلك؛ لأنه إن نفى ما سواها فهو غير عالم بما نفاه، وإن قبله فقد يقبل ما ليس بصواب، أما عند من حفظ الله لهم كتابهم، وعندهم من الله سبحانه البرهان والفرقان والميزان، فإنهم يزنون هذه الأمور بذلك الميزان فما كان صوابًا فهو كذلك، وما كان معارضًا لما عندهم علموا بطلانه، وما كان مسكوتًا عنه، فإن كان لهم حاجة في بحثه وتحريره قاموا بذلك، فلا يوجد ما يمنع ذلك.

ولأن البيئة التي كان فيها نيوتن تتجه نحو اللادينية والعلمنة، فقد جاء بعده من رفض هذا الاكتفاء أو السكوت، ومنع أي تفسير لا يمكن تجربته، بل اتخذ هذا النظام -الآلي للكون الذي صاغه نيوتن- ذريعة للإلحاد في نهايات القرن الثامن عشر (١٢ هـ) وما بعده.

والعجيب أننا نجد حتى في العالم الإسلامي من ينساق خلف هذه المنهجية؛ أي: منهجية الاكتفاء ومنع ما لا يمكن تجربته، حتى تلك التي يمكن تفسيرها دينيًا ويقرّ بها كل أهل الأديان فضلًا عن أهل الإسلام. وفي هذا الباب ما نجده عند أحد الرموز الفكرية العربية المعاصرة حول نظرية الجاذبية، حيث يقول: "وعلى الرغم من أن نيوتن يتمسك بفكرة الجذب كمعطى تجريبي، فإنه لم يتردد في إقحام الميتافيزيقا في تفسير طبيعة الجاذبية نفسها، وهنا يبدو الوجه الآخر من شخصية نيوتن"، وذلك أن من بين ما أثارته نظرية الجاذبية: هل الجاذبية خاصية ذاتية للمادة مثل الصلابة وغيرها أم أنها خارجة عنها؟ فكان رأي "نيوتن" "منساقًا مع هذا الطرح الميتافيزيقي للمسألة كما يقول الجابري" بأن الله سبحانه عندما خلق المادة، خلقها بصفاتها من الامتداد والحركة الشيء الذي نتج عنه عالم يسير سيرًا ميكانيكيًا، وحتى يبقى العالم كما هو عليه فعلًا، "أضاف الله إلى هذه الطبيعة الميكانيكية للعالم، خاصية جديدة، بموجبها تنجذب الأشياء إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>