الإِسلامية، وما أخّرها إلا اختلافهم الشديد حول الغنيمة، وقد أسهم بُعدها عن مقرّ الخلافة في سهولة اختراقها واحتلالها، وعندما احتلت فرنسا الجزائر سنة (١٨٣٠ م) لم تستطع الدولة العثمانية فعل الكثير، فما كان باستطاعتها فعل شيء، وكانت الحال أصعب فيما بعد.
كانت تونس والمغرب من الحواضر الإِسلامية المهمة، وكان في تونس جامع الزيتونة وفي المغرب جامع القرويين يلتحق بهما طلبة العلم، ويتخرج منهما العلماء فضلًا عن مراكز أخرى هنا أو هناك، وقد كان الجامعان أشبه بالجامعتين، ولكنهما كغيرهما من جوامع المسلمين العلمية قد أخرجت الكثير من العلوم من دائرة اهتمامها في وقت الضعف الذي خيّم على العالم الإِسلامي، ومن ذلك العلوم الدنيوية النافعة، ولكن بالقرب منهما يرون بوضوح ثمار هذه العلوم في حياة الناس من تطور طبي وصناعي وعمراني وحربي. ولوجود الجامعين (الجامعتين) في تونس والمغرب؛ فسنركز عليهما أكثر من غيرهما، مع أن كل ذلك يرد على سبيل الاختصار بما يكفي لإبراز صورة طلب هذه العلوم، وما يكفي لإبراز أهم المشكلات التي ارتبطت بهذا الحدث.
بعد فقد المسلمين لبلاد الأندلس وقعت قطيعة بين أوروبا وبلاد المغرب رغم تقاربهما، بدأت أوروبا تستمتع بالمكاسب، وطورت نفسها دنيويًا بما حصلت عليه من علوم من بلاد المسلمين، بينما كان فقد الأندلس فترة انحدار وضعف لبلاد المغرب كغالب العالم الإِسلامي، وبدأ الاتصال يعود عبر التجار والرحّالة، وكثرت كتب الرحلات من قبل المغاربة حول ما رأوه في أوروبا، وكان الوجود اليهودي في المغرب نافذة للعلاقة بالغرب، حيث كان سفرهم للغرب أيسر من سفر المسلمين، كما أن أوروبا اتخذت من هؤلاء اليهود فرصة للتدخل في بلاد المغرب.
عند ذلك بدأ التفكير عند بعض الولاة بطلب بعض هذه العلوم من أوروبا، كل بحسب استطاعته وقدرته على المناورة والحركة مع دول تتأهب لاحتلال بلاد المسلمين، وقد مرّ ذلك بمراحل: أولها ما قبل الاستعمار، حيث كان الولاة يطلبون ما يدعم سلطتهم، فظهرت محاولتهم أولًا لإعداد جيش عصري وإنشاء مدارس حديثة تلبي احتياجات الجيش والولاية، وتمّ ذلك في فترة تدخّل غربي خطير وإن لم يكن هناك احتلال فعلي إلا أنه أشبه بالاحتلال، وثاني هذه