للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرن الثالث عشر / التاسع عشر (١) برزت "محاولات تطبيق النظرية التطورية على الدين بالذات، التي لاقت رواجًا هائلًا"، وإن كانت ظهرت دراسات بعدها بينت ضعف النظرية التطورية.

يقول "كرين برينتون": "حقًا أن صراعًا هامًا بين الدين والعلم احتل مكان الصدارة على أثر صدور كتاب داروين أصل الأنواع. . . . في عام (١٨٥٩ م). وبدأ فكر داروين في نظر كثير من المسيحيين، خاصة بعد أن روج له تلامذته في الخارج، ليس فقط منافيًا للتفسير الحرفي لسفر التكوين، بل إنه في رأيهم إنكار صريح لأن يكون الإنسان مختلفًا بأي وجه من الوجوه عن الحيوانات الأخرى إلا فيما يتعلق بالتطور الطبيعي المحض لجهازه العصبي الذي استطاع بفضله أن يغرق في التفكير الرمزي، وأن تكون له أفكاره الدينية والأخلاقية الخاصة. ." (٢).

لقد بُذلت جهود جبارة من أجل تحويل فروض الأمر الأول "مادية الحياة" و"تطورية المخلوقات" إلى حقائق ومع ذلك لم تُكلل بالنجاح، فلم ينجحوا في إيجاد حياة من المادة (٣) وإن كان فيهم من يتنبأ مع التطورات في علوم الجينات بإمكانية تحقيق ذلك في المستقبل. ومثلها ضخامة ما جمعوا من شواهد من شتى العلوم لإثبات صحة التطور، ومع ذلك يأتي ما بين فترة وأخرى ما يضرب تلك الشواهد، مما يجعلها في دائرة الفرض (٤)، ويصبح المعتقد بها ليس لوجود موضوعي حقيقي خارجي لها بقدر ما هو ميل وهوى نحوها، والميل يرتبط غالبًا بالقناعات والرغبات الشخصية لا بالحقائق الموضوعية الخارجية.

وإذا كان الأمر الأول مما يمكن للمعترض مطالبتهم بالإثبات العلمي؛ لأنه لو افتُرض صحته فلابد له من شاهد يقبل التصديق أو التكذيب، إلا أن الأمر الثاني لا علاقة له بالعلم وإنما هو من باب الفلسفة والفكر والأيدلوجيا، ولهذا كانت الدارونية والتطورية كمذهب فلسفي تدخل في باب المنافسة مع مذاهب أخرى، فقد تبرز في وقت أو في بيئة، ثم تضعف أو تصبح مثار استهجان


(١) انظر: الموسوعة الفلسفية العربية ١/ ٤٤٤ (المصطلحات والمفاهيم).
(٢) تشكيل العقل الحديث، ترجمة شوقي جلال ص ٢٢١ - ٢٢٢.
(٣) انظر: العلمانية .. ، الحوالي ص ٣٣٨ - ٣٤٦.
(٤) انظر: ما كتبه يحيى هارون عن الدارونية، وانظر: ما ذُكر في الفصل الثاني (إنسان بلتدوان).

<<  <  ج: ص:  >  >>