للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تضع تصورًا جديدًا للعلم والإنسان يمثل بديلًا عن التصور الديني. ورغم كثرة النظريات العلمية والفلسفية إلا أنه لم يقع مثل أثر هاتين النظريتين من ميدان العلوم الطبيعية، وحتى تلك التي من ميدان العلوم الاجتماعية هي ذات صلة بالدارونية ولاسيّما "الماركسية" و"التحليل النفسي" و"الدوركايمية" و"التطويرية".

يأتي "داروين" في قائمة علماء الأحياء، وربما يكون هو الأبرز في تاريخها الحديث، وقد عرف هذا العلم بعد "داروين" تطورًا مذهلًا وشهد ثورات خطيرة أبرزها ما حدث في باب الجينات ومسألة الاستنساخ، إلا أن أهم ما يرتبط بهذا العلم هو نظرية التطور، وهي نظرية ما زالت مثار جدل إلى ساعتنا هذه.

للنظرية جانب علمي يُبحث في ميدان علم الأحياء مع علوم أخرى تُستمد منها الحجج، وهي أمور ليس في مقدور أي مفكر أو باحث مناقشتها وهو من خارج تلك العلوم، إلا أن لها جانبًا فلسفيًا ظهر بارزًا في مذهب مستقل وهو "الدارونية" أو "التطورية" أراد له أصحابه أن يكون مذهبًا شاملًا إلحاديًا في إيدلوجيته يكون بديلًا عن الدين، غير أنه لا يعترف بعقائد الدين مستبدلًا لها بعقائد من اختراع مؤسسيه، ومن المهم التفريق بين النظرية وبين إيحاءاتها الفلسفية والتطبيقات الأيدلوجية التي لا علاقة لها بالعلم (١).

إذا بحثنا في أخطر ما أثارته النظرية والمذهب النابت حولها ووظف في الصراع مع الدين نجد أمرين:

الأول: إيجاد تصور عن وجود الحياة ووجود الإنسان يراد له أن يكون منافسًا للتصور الديني إن لم يكن بديلًا عنه، فالحياة وجدت صدفة في خلية ما في هذا العالم المادي، ونبعت عن الطبيعة، والإنسان جاء نتيجة تطور، لم يكن نتيجة خلق إلهي مستقل (٢).

الثاني: إذا كان العلم يخالف رؤية الدين في الموضوعين: "الحياة" و"الإنسان"، والعلم هنا هو الصورة الدارونية له؛ فقد وصلت الدارونية بشقها الملحد وهو الأبرز والأشهر إلى دعوى خرافة الرؤية الدينية، ومن ثم البحث عن أصل ظهور الدين من خلال المنظور الداروني التطوري. وفي النصف الثاني من


(١) انظر: العلمانية .. ، سفر الحوالي ص ١٨١.
(٢) انظر: الدارونية والإنسان. . . .، ص ٩٥ - ١١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>