للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في المعرفة، ولكن المعرفة الحقيقية لا تكون إلا ذات واقع حسي.

وقد كان يهدف من مشروعه الفلسفي النقدي الكبير نقد العقل إلى البحث في: كيف نجعل "الميتافيزيقا" ذات الموضوعات الثلاثة الرئيسة: "الله - خلود النفس - الحرية" (١) يقينية في درجة يقين العلوم الرياضية والطبيعية، فإن اختلاف الناس في الميتافيزيقا كبير بخلاف العلوم الرياضية والطبيعية. هكذا كان مشروعه الأساسي: تحويل الميتافيزيقا إلى علم يقيني. وقد رأى أن الإجابة لا تتحقق إلا إذا عرفنا لماذا العلوم الرياضية والطبيعية يقينية، وعندها نستطيع بناء ميتافيزيقا يقينية كهذين العلمين. فقام بتحليل موسع للعلمين يبحث سبب اليقين فيهما، ولكن انتهى به المطاف في الحياة قبل أن يصل إلى الجواب، وإن كان قد قام بعمل كبير حول هذه العلوم مما جعله أشهر فلاسفة الغرب المحدثين.

يظهر في المشروع الكانطي حضور العلوم التي لم يعد من الممكن إغفالها بعد نجاح الثورة العلمية، ويظهر أنها أصبحت مقياسًا لليقين، وهذا ما أراده كانط من تحليلها، ولكن من بين النتائج التي وصل إليها موقفه الغامض من الدين، وذلك عندما اكتفى بمصدري العلم: العقل والتجربة. وذلك أنه وصل إلى أن القضايا الدينية لا ينطبق عليها المنهج الرياضي اليقيني ولا ينطبق عليها المنهج الطبيعي التجريبي اليقيني، وعلى هذا فالدين أو الميتافيزيقا مما لا يدخل في دائرة العلم ولا يمكن إثبات قضاياه بالمنهج العلمي (٢). ولكن في الوقت نفسه لا يمكن التخلص من قضايا الدين أو الميتافيزيقا ولا يمكن إنكارها، فكيف الطريق إلى إثباتها؟

وجد الحل في مجال الأخلاق والعقل العملي؛ إذ هي ضرورية، وإذا كانت كذلك فلا تتحقق إلا بالإقرار بوجود الله، ووجود النفس، أما العقل العلمي فلا يمكنه إثباتها (٣)، ولكنه أهمل المصدر الثالث للمعرفة، وهو الخبر الصحيح، وهو هنا الوحي.

وقد تسبب هذا الموقف فيما بعد إلى قسمة ثنائية ما بين العلمي والديني،


(١) انظر: كنط وفلسفته النظرية، د. محمود زيدان ص ٢٦١، وانظر: الدين والميتافيزيقا في فلسفة هيوم، د. محمد الخشت ص ٥٠.
(٢) انظر: موقف من الميتافيزيقا، زكي نجيب محمود ص ٥١ - ٥٢.
(٣) انظر: كنط وفلسفته النظرية، السابق ص ٧١ - ٧٢، النقد في عصر التنوير، د. نازلي إسماعيل ص ١٨٨ - ٢٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>