أن عندهم معرفة بالعلم الشرعي ثم اقتحموا العلوم العصرية دون أن يُلموا بها جيدًا، فوقع بسبب ذلك أخطاء وتجاوزات، هذا إذا استبعدنا متاجرة بعضهم بمثل هذه الكتابات إذ نكتفي بالجانب المنهجي منها. فأقول إن لمثل هذا النشاط فيما صحّ منه وسَلِم من الأخطاء والتجاوزات لدلالات مهمة لا يمكن لعاقل أن يتنكر لها، وهي: أن العلم الصحيح لا يعارض بحال النقل الصحيح، بل إن العلم الصريح الصحيح المحقق ليدل على ما دلّ عليه النقل، ويكفينا من كل هذا النشاط الكبير في بابنا هذا مثل هذه النتيجة.
دراسة لبعض النماذج التغريبية التي ترفع من شأن دعوى التعارض:
سبق في الباب الأول نموذج دخول المشكلة -أي: مشكلة دعوى التعارض- عبر الصحافة من خلال كُتاب نصارى تأثروا بالاتجاهات المادية في أوروبا (١)، ومع ذلك فقد حاولوا عرضها بأسلوب غير مستفز رغم ما أثاره ذلك من عاصفة، واشتهر في أثناء عرض نظرية الفلك الجديدة ونظرية التطور، وقد كانت العاصفة داخل النصارى رغم أن الصحف التي يتولاها النصارى موجهة للجميع.
فلقد حرصوا على عدم التصادم ولوّحوا بمنهج التأويل كحل للمشكلة، وقد سبق تحليلها بما يناسب وضعها في سياق التفاعل والتأثر في الباب الأول، إلا أنه بعد دخولها جاء من يتجاوز التأويل ويدعوا بزعمه إلى ترك تلك الأوهام الدينية والاكتفاء بالعلم، نأخذ مثلين مؤشرًا على التوجه الجديد عبر الصحافة في بدايات إثارة المشكلة:
المثال الأول: كانت مجلة "الهلال" تركز على الجانب التربوي، وفي أحد الأعداد عرضت مقالًا لـ"أمير بُقْطُر" عن "الجيل المصري المقبل - تكوينه من ناحيتي الأخلاق والشخصية" فذكر نماذج للتربية في مدارس الغرب، ثم لفت إلى أهمية الحوار والسؤال ومن ذلك مثلًا قوله:"إذا تعارض الدين مع العلم فأيهما تصدق؟
ما الفائدة من الدعاء لله أن ينزل الغيث "المطر" في فترات الجفاف، طالما نحن نعلم أن المطر خاضع لقوانين طبيعية جوية هيهات أن يعمل الخالق
(١) انظر: الفصل الرابع من الباب الأول، مبحث الصحافة ص ٦١١.