للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالدعاوى العلمية والثالث يريد الإفلات من طغيان العقلانية والعلمية، وهذه الثلاثة هي "النفعية" وامتدادها المعاصر في "البراجماتية"، و"النتشوية"، و"الوجودية". وغاية الوقفة مع هذه الثلاثة التأكيد على هذه الفوضى التي تعم ميدان علم الأخلاق رغم الأزمة الخلقية التي يمر بها العالم، وهي مؤشر صريح عن أهمية البحث عن مخرج، ولن يكون في التصور الإِسلامي إلا بإعادة الأخلاق إلى الدين.

مذهب "المنفعة" الحديثة ترجع إلى "ميل" و"بنتام"، حيث ربطت الأخلاق بالمنفعة أو اللذة، ثم جاء تطور لها مع "البراجماتية" وفلاسفتها: "وليم جيمس" و"بيرس" و"ديوي" وغيرهم، حيث ربطت الأخلاق بجدواها العملية (١)، ويدّعي هذا المذهب العلمية بعد أن تحرر من القضايا الغيبية والمُثُل وركز على أمور يمكن للعلم أن يتعرف عليها، وتقوم دعواه على تحويل القضايا الأخلاقية إلى مسائل محسوسة.

أما "النتشوية" فهو المنسوب لنيتشه، وهو موقف بارز وربما الأشهر في تاريخ الأخلاق المعاصرة، وهو يعتبر من جهة: امتدادًا للتيارات العلموية المدعية البحث العلمي في الأخلاق (٢)، ومن جهة أخرى: فله تأثيره على الكثير من الاتجاهات السياسية والفكرية، يقوم مذهبه على "رفض الأخلاق قائلًا باللاأخلاق أخلاقًا، كاسرًا لائحة القيم التقليدية، مبشرًا بأخلاق السيد السوبرمان" (٣)، وجعل مصدرها إرادة القوة، وهي من صنع الإنسان يخلعها على الأشياء، والحياة إنما هي إرادة التسلط والاستيلاء والتملك، وعنها تنشأ القيمة. وتبرز الأخلاق أثناء الصراع بين السادة والعبيد، الأقوياء والضعفاء، للسادة أخلاق، هي أخلاق القوة، وهي الأخلاق الحقيقية، وهي التي يعترف بها "نيتشه"، ولكن الإنسان لا يصل إليها ما لم يحطم الأصنام التي تقيده، وهي أصنام الفلسفة والأخلاق والدين (٤).


(١) انظر: الموسوعة الفلسفية العربية ص ٤٣، وانظر: القيم بين الإِسلام والغرب. . . . ص ١٣٣ - ١٣٩، وانظر: نظرية القيم، قنصوه ص ١٣٠ - ١٤٩، وانظر بتوسع: المذاهب الأخلاقية .. ، د. العوا ٢/ ٥ - ٧٨، و ٦٠٣ وما بعدها.
(٢) انظر: قضايا في الفكر المعاصر ص ٤٧.
(٣) الموسوعة الفلسفية العربية ص ٤٣.
(٤) انظر: نظرية القيم. . . .، قنصوه ص ١٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>