للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وآفة التنقيص بادعاء أنها تخدم الضعف والخنوع والسلبية، لهذا نبذها الناس؛ لأنه لا أحد يحب أن يكون بهذه الحال.

ولكن البديل العلمي للأخلاق الذي تقترحه التيارات العلموية يحوي مشكلات من منظور الفكر الإِسلامي، فقد وجد المفكر السابق أن مقصد العلمية الذي يرفعونه هو رفض الأخلاق الدينية، وذلك أن الأخلاق الدينية تستند إلى "خَلْق هو الفطرة" وإلى "خُلُق هو الخلق الديني"، بينما العلمانية تريد تغيير الخَلْق وتغيير الخُلُق:

أولًا: فهي تسعى إلى إسقاط الأصول الأخلاقية الدينية التي هي "جملة المعايير والقيم الرئيسة التي تتولد منها باقي المعايير والقيم السلوكية. ." لكي تُقيم مكانها أصولًا اصطناعية لأخلاقها الجديدة؛ أي: أن تقوم مقام ما يسميه الدين بـ"معاني الفطرة الإنسانية"، فهي تطلب في نهاية المطاف تغيير هذه الفطرة التي خُلق عليها الإنسان.

ثانيًا: كما أنها تسعى لمحو "السلوك الأخلاقي الذي وَرِثه الإنسان عن الدين وأن تستبدل مكانه سلوكًا جديدًا يتصف بالوصفين التاليين:

أحدهما: أنه علمي، إذ يتفرع من المعرفة بالأسباب المادية التي تحدد الطبيعة الإنسانية، بيولوجية كانت أو اجتماعية أو نفسانية.

والثاني: أنه علماني، إذ يقطع الصلة بكل القيم التي تولّدها مقتضيات التقدم العلمي - التقني" (١).

كانت النتيجة رفض الأخلاق الدينية، ولكن البديل المقترح لم ينفع، فظهرت آثارٌ سلبية انعكست على العلم والتقنية مفخرة الحضارة الحديثة، "الأمر الذي دعا بعض الفلاسفة الأخلاقيين إلى التفكير في وسائل تصحيح المسار الذي يفضي بالإنسانية إلى المفاسد، بل يلقي بها إلى المهالك، إن عاجلًا أو آجلًا، وكان من ثمرة هذا ظهور بعض النظريات الأخلاقية الجديدة" (٢).

وقد تتبع المفكر طه عبد الرحمن آفات هذه الأخلاقيات الجديدة ولخصها في اثنتين:


(١) سؤال الأخلاق ص ١٢٢ بشيء من الاختصار.
(٢) المرجع السابق ص ١٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>