للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثروة، وإنما ما أثرها على هذا الإنسان؟ فتنمية المال والثروة أمر مرغوب فيه ويقوم الدين بوضع الأصول الموجهة لهذا الباب، إلا أنه يعد الربا واحدًا من أخطر صور الانحراف بالمال التي جاء بمنعها وتحريمها. وغالبًا ما يكون مثل هذا الباب -الذي يختلط فيه الأمر بين النفع السريع ولو لطائفة من جانب والفساد من جانب- مدار إشكال وموضع اختلاف، ولكن هذا الباب قد جاء الشرع فيه بالمنع الصريح مما يرفع الالتباس ويقطع الاختلاف.

عندما تكون للمعاملة المالية ثمرة قد تظهر للبعض ومع ذلك يأتي الشرع بتحريمها، فهذا يعني أن تطبيقاتها المادية أو معادلاتها الرياضية قد تحقق الثروة السريعة ولكن علاقتها بالإنسان غير صحيحة، ومن هنا جاء التحريم، ومع ذلك فإننا لا نجد مثل هذا التحريم إلا وعثر على البديل الصحيح الحلال، ولا يشترط أن يكون في سرعة المحرم في الوصول للنتائج ولكنه الأسلم، ولذا لا يصح أن تُلبِّس علينا مفاهيم العلمية التي تُصبَغ على القضايا العملية؛ لأنه لا يكفي في مثل هذه المسائل الصحة التطبيقية، بل لابد من صحة قيمية يصبغها الشرع عليها. وغالبا يأتي التحمس لهذه المحرمات من قبل أصحاب المصالح، ومن ذلك تحمس المستغلِين لعلمية الربا في نمو الثروات وتقدم المجتمعات، وقد ظهر في الفكر الغربي من عارض المفهوم الرأسمالي للربا مثل الاشتراكية، وقامت تجربة دنيوية ناجحة، وهي تدعي أيضًا العلمية، ولكنها بنفس إشكال الرأسمالية، فقد تصح منها جوانب تطبيقية وتبقى من الناحية الشرعية محرمة، ومع ذلك فهي تكشف الإمكانيات المتنوعة في تنمية الثروة، مع أنها جميعًا لا ترقى للجائز شرعًا.

أضرار الربا خصوصًا والاقتصاد العلماني عمومًا:

للاقتصاد العلماني أضرار تخفى على الكثير، فتقدم الغرب يؤثر فيهم فلا يرون السلبيات التي يحتوي عليها هذا النظام، لاسيّما حجم ما ملأ به عالمنا من الربا (١)، ولاسيّما أنه يتطور وينمو داخل الحقل العلمي مما يضفي عليه طابع الفتنة، بينما الغرب بقدر تقدمه المادي يشعر بمشكلات الربا وآثارها على


(١) انظر: الربا والفائدة. دراسة اقتصادية مقارنة، د. رفيق المصري ص ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>