للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رياضية جديدة لم تكن معروفة لدى العرب" (١)، ذلك أن علماء الفلك في البلاد الإسلامية قد حاولوا تجاوز كتاب المجسطي المعتمد في باب الفلك في أغلب بلاد العالم آنذاك. ويشير باحث عربي -عبد الحميد صبرة- إلى أن عالم الرياضيات ابن الهيثم لعب دورًا مهمًا في حفز الفلكيين العرب لتجاوز بطليموس واليونانيين، حيث صرح في أثناء شرحه لكتاب "المجسطي" بأن الترتيبات المقترحة فيه لحركة الأجرام السماوية فاسدة، وأن الترتيبات الصحيحة لم تكتشف بعد (٢)، فقامت بعده حركة فلكية كبيرة صححت كثيرًا من الأغلاط، معتمدة على الملاحظة والحساب. ولهذا احتار مجموعة من الباحثين بعد ظهور مجموعة كبيرة من كتب التاريخ للعلم العربي، بسبب هذا التشابه الكبير بين النتائج التي وصل إليها علماء في البلاد الإسلامية وبين ما عرضه كوبرنيكوس ومن بعده حول الموضوع نفسه، "وهذا التطابق الأساسي للنماذج هو الذي دعا نويل سويردلو لأن يسأل لا "عما إذا" كان كوبيرنكس قد تعلم نظرية مراغة بل "متى وكيف"" (٣)، وأن هذا "الشبه بين النماذج الفلكية التي وضعتها مدرسة مراغة "ووصلت أفضل صورها على يد ابن الشاطر -وبين نماذج كوبيرنكس. . . . بلغ من الشدّة -باستثناء مركزية الشمس عند كوبيرنكس- حدًا دعا البعض إلى القول، دون تجاوز الحقيقة: "إن كوبيرنكس هو أشهر أتباع مدرسة مراغة، إن لم يكن آخرهم"" (٤).

وقد يستغرب بعض القراء ما أحيط بهذا الحدث من أهمية، وما أنيط به من آثار، وجعله مفتاحًا للثورة العلمية، ومفرقًا بين العلم القديم والعلم الحديث، مع أن بعض مواده قد قيل بها من أيام اليونان، فلم كل هذه الأهمية له؟! والحقيقة أن بعدنا الزماني والمكاني والثقافي عن الحدث قد لا يشعرنا بخطورته على التطورات الفكرية والعلمية في العصر الحديث، ومما يقربنا من تصور الحدث هو التذكر بأن أوروبا عاشت قرونًا طويلة لاسيّما ما اصطلح عليه العصر المدرسي الذي غلب عليه ثقافيًا كُتب تُشرح وتدرس وتُدرّس وتكرر دون إحداث شيء جديد، ومع الأيام تحولت تلك المواد المدروسة إلى مسلمات عقدية يصعب


(١) فجر العلم الحديث ص ٣٥٤.
(٢) انظر: المرجع السابق ص ٧١.
(٣) فجر العلم الحديث ص ٧٠.
(٤) المرجع السابق ص ٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>