وقد اختلطت بهذه الروح العلمية مشكلات منهجية خطيرة مثل إهمال الوحي مصدرًا للمعرفة، واعتماد الحس معيارًا أساسيًا للمعرفة، والاتكاء على الموضوعية للتخلص من أي اعتقاد سابق ولو كان ذلك الاعتقاد هو الاعتقاد الحق.
٥ - تبنّي أغلب المذاهب الفكرية الدعوة إلى العلم الحديث دون تحديد لمفهوم العلم، فيدخل فيه العلم وأشباه العلم والانحرافات المرتبطة به، فلا يُفرَّق بين علوم نافعة وبين نظريات إلحادية أو مناهج غير مناسبة لمجال آخر غير مجالها الحسي، من ذلك دعوة أحد المعاصرين إلى إدخال كل ذلك في جميع المراحل الدراسية من الابتدائية إلى الجامعية؛ لأن التعليم -بزعمه- "لا يزال ينقصه الحدّ الأدنى من النظرة العلمية والانفتاح على المنهجيات الحديثة. . . .". . إلى قوله:"انظر الوضع المخيف لكليات الشريعة والمعاهد الدينية التقليدية هناك حيث لا يزال السياج العقائدي المغلق يتحكم بالعقول كالسجن. . . ."، ويؤكد حاجة هذه المعاهد إلى العلوم الحديثة، ويرى أن التدين المنتشر اليوم في العالم الإِسلامي مصدره أصول الدين والفقه القديمة التي لم تُراجَع في ضوء العلوم الاجتماعية الحديثة إذ ما زالت تُدرَس بصورتها القديمة في كليات الشريعة. فمثل هذه الحملات على الإِسلام وعلومه تُقام باسم العلم الحديث ومناهجه دون تفريق بين الحق والباطل (١).
٦ - زاد من خطورة الأمر وقوع مجموعة من الخيِّرين في خطأ منهجي، فهم يريدون الدفاع عن الدين، والجمع بينه وبين العلم الحديث، فتكلّفوا في ذلك تكلفًا قد يكون ضرره أكثر من نفعه، فخرجت كتب كثيرة تدور حول: الإِسلام والعلم، والعلم في القرآن. . . . وما شابهها، وتحمسوا للدفاع عن الإِسلام بإرجاع كثير من النظريات والأفكار العلمية إلى النصوص الدينية، وموقفهم هذا هو من ردود الفعل ضد انحراف تيار العلم التغريبي، ولعل من أبرز أسباب ظهوره هجمة التيار التغريبي على الدين، وادعاء مخالفته للعلم الحديث، ولذا كان من المهم التوقف النقدي مع هذه الظاهرة.
٧ - أهمية إزالة الهالة التي يتدرّع بها الفكر العربي التغريبي، فهو ينسب أصوله الفكرية إلى العلم، ويدَّعي العلمية لمناهجه؛ لأنها تمثل العقل العلمي