للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اتباعه والشقاء في مخالفته". ثم ساق آيات كثيرة، كل آية هي أصلٌ عظيمٌ في الباب أكتفي بواحدة منها، قال -تعالى-: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٥٧)} [الأعراف: ١٥٧] (١)، فالفلاح في الدنيا والآخرة هو باتباع النور الذي أنزل مع الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وقد زجر الرب سبحانه من لم يكتف بالكتاب فقال سبحانه: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥١)} [العنكبوت: ٥١].

قال الشافعي -رحمه الله-: "فليست تنزل في أحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها، قال الله تبارك وتعالى: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (١) وقال: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}، وقال: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}، وقال: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢)} " (٢).

وقد يَرِدُ على أحدهم كيف يكون هذا القرآن فيه هذا الشمول مع كثرة فروع الحياة وظهور نوازل جديدة ووقائع جديدة؟ وجوابه أن الوحي جاء بقواعد كلية وأصول كلية يدخل فيها كل ما يستجد مما يحتاج إلى تشريع، وفي هذا يقول الشاطبي -رحمه الله-: "تعريف القرآن بالأحكام الشرعية أكثره كلي لا جزئي؛ وحيث جاء جزئيًا فمأخذه على الكلية، إما بالاعتبار أو بمعنى الأصل، إلا ما خصه الدليل مثل خصائص النبي - صلي الله عليه وسلم -" (٣)، ويقول أيضًا حول قوله -تعالى-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} المراد منه إكمال الكليات "فلم يبق للدين قاعدة يحتاج إليها في الضروريات والحاجيات أو التكميليات، إلا وقد بينت غاية البيان" (٤).


(١) انظر: الفتاوى، ١٩/ ٧٦ - ٨١، وانظر: مفتاح دار السعادة، ابن قيم الجوزية ٢/ ٢ وما بعدها، الإِسلام يتحدى، وحيد الدين خان ص ١١٠، العقيدة الإِسلامية، عبد الرحمن الميداني ص ٢٧١، رسالة التوحيد، محمَّد عبده ص ٤٧ - ٥٧.
(٢) الرسالة ١/ ٢٠، تحقيق الشيخ أحمد شاكر.
(٣) الموافقات ٣/ ٢٧٤.
(٤) الاعتصام، للشاطبي ص ٤٧٧، وانظر: الشمول .. ، السفياني ص ١٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>