للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأمر أشدّ وضوحًا عند تلميذه "سلامة موسى"، فالعلم ليس بديلًا عن الدين فقط، بل يتحول العلم إلى دين (١)، فالدين الذي كان فيه السعة والشمول ومعالجة مشكلات لا يستطيعها غيره سيكون العلم مع غلاة المتغربين الدين الجديد الذي يغطي مساحات شغلها الدين سابقًا.

ومع اعتراف "سلامة موسى" بأن المدينة الأوروبية -التي هي مدينة العالم أجمع؛ لتقدم العلوم فيها بجميع فروعها- توشك أن تقع في هوة الفوضى بسبب التفاوت بين التقدم العلمي وبين القيم والنظم والأخلاق والآداب (٢). . . .، وهذه الهوة لن يكون علاجها بالرجوع للدين الحق وإنما وتبعًا لاقتراح كاتب إنجليزي -"ولز"- في "أن تؤلف توراة جديدة توافق العصر الحاضر، تضعها فئة منتقاة من العلماء والفلاسفة والأدباء، وينبغي تنقيحها كل عام وفق مطالب الحياة، ثم تترجم إلى جميع اللغات في العالم، فتكون دستورًا للناس" (٣)، ثم قال: "والخلاصة أنه لكي تنتفي الفوضى الراهنة، يجب أن تجعل الأخلاق وفق المستكشفات والمخترعات العلمية الحديثة. . . ." (٤).

وبقدر ما نرى من غلو في الذات ومركزية (٥) مدهشة عند "ولز" بحيث هم من يؤلف التوراة الجديدة، ثم على العالم الانصياع لها، بقدر ما نجد هذا الانسحاق المدهش من قبل المتغربين، وإن كان الجيل الأول منهم يتماهون كثيرًا مع الغربيين بسبب الاشتراك في أصل الديانة ثم في العلمنة، فلا يستغرب ذلك منهم كما يستغرب من المتغربين في المراحل اللاحقة.

وما يهم -الآن- في هذا النص هو الاعتراف بأزمة العلم الذي جُعل بديلًا عن الدين ومغطيًا مكانه بحيث يحقق الشمول ثم هو عاجز عن إسعادنا، وعاجز عن رفع الخوف والقلق حتى فيما هو ماهر فيه، فكيف بما هو ليس من مجاله من المطالب الإنسانية العالية. ثم يكون البديل هو نوع من الاحتيال على الدين الحق،


(١) انظر: سلامة موسى بين النهضة والتطوير، د. مجدي عبد الحافظ ص ١٨.
(٢) انظر: اليوم والغد، سلامة موسى ص ١١٤.
(٣) المرجع السابق ص ١١٥.
(٤) المرجع السابق ص ١١٧.
(٥) انظر حول مفهوم المركزية الغربية كتاب د. عبد الله إبراهيم، (المركزية الغربية - إشكالية التكون والتمركز حول الذات).

<<  <  ج: ص:  >  >>