للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بوجود إله ووجود عالم غيبي ووجود عالم أخروي فضلًا عن وجود النبوات وما أنزل على الرسل كله في زعمهم من الوهم.

ولا شك أن الأديان المؤولة أو المبتدعة هي من أوهام الناس وثمار عقولهم القاصرة المجانبة للهدي السماوي، فهي مما ينطبق عليه الكثير من تلك المقولات، إلا أنها لا تقف عند هذا الحد؛ وإنما تتجاوز ذلك إلى نفي الوجود الموضوعي الحقيقي للدين بأصوله، ومن ثم نفي الوجود الحقيقي للدين المنزل. ربما لو وقفت تلك الحركة الفكرية في نقدها لمفهوم الدين عند ما يبتدعه الناس وتخترعه المجتمعات؛ لكان فيها ما ينفع المنغرسين في الوهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، ولكنها قفزت من نقد الوهم إلى نقد الحق والتكذيب به، فضلوا وأضلوا وسببوا للبشرية انحرافًا خطيرًا بما سنوه من سنة سيئة فتبعهم عليها الكثير ممن تأثر بهم.

إذا استعيد ما سبق الحديث عنه من الصراع الكبير بين الكنيسة والحركة العلمية والفكرية الحديثة، وما نتج عن ذلك من بروز تيارات مناهضة للكنيسة ومن ثم مناهضة للدين، ونجاح هذه التيارات في الانتشار والاتساع بسبب تذمر الناس من أفعال الكنيسة ونشاط التيارات في دعوتها، إذا استُحضر كل ذلك وما تبعه من أمور؛ فإن أغلب رواد تلك التيارات لم يكونوا ضد فكرة الدين كما هم ضد الكنيسة، بل كانت لهم كتابات لاهوتية وميتافيزيقية ذات إقرار بمسلمات دينية من نوعٍ ما، حتى جاء الانعطاف مع أصحاب الدين الطبيعي الذين رفضوا أصل النبوة وأقرّوا فقط بوجود الرب سبحانه ليفتحوا المجال لرافضي الدين ولدعاة الإلحاد (١) من أمثال من يطلق عليهم "اليسار الهيجلي" أو "المتحررون الهيجليون" أو ما شابه ذلك من مصطلحات، يهمنا مدلولها القائم على الإلحاد وإنكار الدين، وكان أبرزهم وأشهرهم الفيلسوف الألماني "فيورباخ".

لقد تفرغ "فيورباخ" لدراسة الدين ولكن من منظور إلحادي، وأخرج دراساته في ذلك، ثم أصبح في الغرب مرجعية للملحدين في الموقف من الدين، يقول باحث معجب به "د. أحمد عطية": "لا يوجد أحد من الفلاسفة المحدثين


(١) انظر: تيارات الفكر الفلسفي. . . .، كريسون ص ١٥٣ - ١٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>