للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصبحت "مسلمة في تاريخ الأديان والأنتولوجيا، وأن الأبحاث من مختلف الدوائر قد أيدتها وتطابقت معها تطابقًا تامًا"، ولدرجة أنه "أصبح من العسير أن نجد من ينكرها من العلماء الممتازين"، فضلًا عن هجوم لاقته النظريات الوضعية من حيوية أو طبيعية أو غيرها، وإن كانت النظرية التأليهية مع ذلك تجد من ينتقدها ويرفض التسليم بها (١). وهم وإن فتحوا طريقًا نحو تقريب التفكير الاجتماعي من الإقرار بوجود دين من أصل سماوي إلهي؛ إلا أنه لا يتجاوز عند الكثير منهم صورة الإيحاء للبشر، الذين تجاوبوا مع ذلك الإيحاء باختراع الدين، وباستثناء أهل الكتاب من اليهود والنصارى لا يوجد إقرار عند أصحاب المذهب التأليهي بالنبوات، ولكنه يفتح بابًا للتقريب كما سبق.

يمثل أصحاب المذهب الأول "التطوري" استجابة للتوجه العلماني المادي ذي المنحى الإلحادي، لهذا فهو بعد أن عرف تحطم الدين في الغرب، وظهور الإطار "الفيورباخي" الذي يرجع الدين للإنسان؛ برزت مثل هذه الدراسات التي لا ترى للدين حقيقة خارج هذا العالم، بينما يمثل أصحاب المذهب التأليهي استجابة للتوجه الديني الذي يعترف بوجود إله يدبر هذا العالم. ومع ذلك فالإطار "الفيورباخي" مؤثر في الطرفين، وذلك يعود إلى أن صلة هؤلاء الباحثين بالأديان المبدلة أو الوضعية أكثر، فتعطي الباحثين انطباعًا على صحة أقوالهم، وفيها ما هو صحيح، وانطباعًا أخطر عن صحة التعميم بحيث لا يجد أحدهم حرجًا أن يقول: الدين بألـ التعريف هو ما توصل إليه، بينما ما توصل إليه هو دين من الأديان.

تطرق المبحث الأول لنموذج تغريبي تأثر بالتطورية حول الدين، وتطرق المبحث الثاني لنموذج آخر عمن تأثر بمقولات علم النفس حول التركيز على البعد السيكلوجي النفسي لظاهرة الدين، وأكمل هنا ما يتعلق بأصل الدين من صور ونماذج أخرى اجتماعية.

تسلك كتب الباحثين الاجتماعيين العرب نفس الطريقة التي نظر بها الغرب إلى الدين (٢)، ومن ذلك ما نجده عند "حسين رشوان" الذي اعتمد كثيرًا على


(١) انظر: المرجع السابق ص ١٥٤ - ١٩٢، وما بين القوسين هما على التوالي ص ١٧٣ ص ١٨٠.
(٢) انظر مثلًا: الدين في المجتمع العربي، بحث: (الأسس الاجتماعية للظاهرة الدينية ..)، حيدر علي ص ٣٤ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>