الغرب وهما "ديكارت" و"بيكون"، وتأتي أهمية الوقوف معهما؛ لأنهما يمثلان أكبر تيارات أوروبا الفلسفية، وهذا يعني أنهما يشكلان نموذجًا جيدًا لدراسة علاقة الفكر بالعلم، ولا يخفى أهمية ذلك لموضوع الدراسة الذي يتناول علاقة تيار فكري بالنظريات العلمية، ومع ذلك فإن الحديث سيكون مختصرًا وبقدر ما يفيدنا في الموضوع.
إذا كانت معاصرتهما لجاليليو سببت بعض التنافس، فإن التوجه نحو العلم أصبح سمة لهما ولأغلب الفلاسفة بعدهما، وقد كان لهما ولمدرستهما أثر كبير في الثورة العلمية، أثر خطير في تشكيل صورة العلم الجديدة وطريقة حضوره في المجتمع.
ومما يجمع بين بيكون وديكارت نقدهما الشديد لمنطق أرسطو ومنهجه، ومحاولتهما وضع منهج جديد، إما لتصحيح عمل العقل ورسم صورة جديدة عنه كما هو مع ديكارت، أو لكشف الجديد كما عند بيكون، وقد شغلهما المنهج بدرجة كبيرة، وربما كانت هي إحدى أهم القضايا الفكرية في تلك المرحلة، وقد "سمي القرن السابع عشر بعصر "الاهتمام بالمنهج" وهذا حق، فقد اهتم الفلاسفة والمفكرون في ذلك العصر بالطريقة التي ينبغي أن يتبعها الإنسان في بحثه عن الحقيقة"(١). واتفاقهما على أهمية العلم ومكانته، وأهمية وضع منهج جديد يساعد في تطويره وتقدمه، مع هجوم كبير على العلم الأرسطي والوسيط وعلم عصر النهضة، وإعجابهما بالثورة الكبيرة التي حصلت في علم الفلك رغم مواقفهما من بعض علماء الفلك. واتفاقهما أيضًا على الشك في الموروث ورفض الطريقة المدرسية القائمة على الشرح لمتون قديمة والاكتفاء بالاستنباط منها، وهي التي كان يخدمها منهج القياس الصوري من منطق أرسطو، فإنه منهج غايته استخراج فرع عن أصل، أو إخراج نتيجة من مقدمة؛ أي: أنه تحصيل حاصل، وربط للمستجدات بأصول ثابتة، بينما العلم هو اختراع لجديد في المناهج والنظريات والاكتشافات، ولهذا فهو في حاجة إلى منهج آخر.
ولا شك أن العلاقة السيئة مع الكنيسة الممثلة للدين في زمنهما جعلت جهدهما -كما هو حال جهد علماء الفلك من قبلهما- يتحرك مستقلًا عن الدين
(١) توماس هوبز -فيلسوف العقلانية، د. إمام عبد الفتاح ص ٩٥.