للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

افتراضًا ليس غير. . . ." (١). وهذا يؤيد الرأي القائل بأن النظرية فرض ميسر أو أن الطبيعة تقبل تعدد التفسيرات، وذلك يعني عدم وجود تفسير واحد يحتكر الحقيقة مما يقوله البشر، وتعدد التفسيرات يجعل كل التصورات ما دامت تذكر أدلتها صحيحة من وجهة نظر أصحابها، ألسنا نجد في الطبيعة بعض الظواهر تتعدد حولها التفسيرات؛ أكده من خلال أمثلة فيزيائية كالنظريتين المتصارعتين حول طبيعة الضوء: فإحداهما أنه من طبيعة جُسيمية والأخرى على أنه من طبيعة موجية -أكثر ما يلفت النظر حول هاتين النظريتين أن الشواهد التجريبية تؤيدهما معا بالرغم من أنهما تقومان على أسس فيزيائية مختلفة- مما دفعه إلى القول بأن الطبيعة تقبل العديد من التفسيرات (٢).

هكذا قام كل من "بوانكاريه" و"دوهيم" بمحاكمة قاسية للعلم وكانت أهم نتيجة توصلا إليها وطرحاها مع غيرهما من نقاد العلم: أن النظريات العلمية إنما هي تفاعل بين العالِم وموضوع علمه، وأن لعقل العالِم أثره في صناعة النظرية، وهي تفقد بهذا صفة الموضوعية والتعبير الواقعي عن الواقع، وميزتها تكون في التيسير والتسهيل وبقدر ما تقوم بذلك نقبلها فقط، ويخطِئ من يظن أنها تُعبّر عن حقائق يمكن جعلها مرجعًا للتصويب والتخطئة.

ويعني هذا أنه لو جاء مستثمر للنظرية واتخذها مصدرًا ومرجعًا للتكذيب بأمور خارج إطارها أو التأييد فهو غير مصيب بفعله هذا، ويُعدّ هذا الوضع تغيُرًا كبيرًا حول تصور قيمة النظرية العلمية؛ لأنه قبل حملة نقاد العلم كانت النظريات العلمية مرجعًا للتصديق والتكذيب بالقضايا غير العلمية أما بعد حملتهم فقد أصبحت مرجعًا لعمل العالم فقط، وفتحت بذلك جبهة واسعة داخل إطار فلسفة العلم. ورغم تنوع المذاهب وتعددها فإن الميل السائد في مدارس فلسفة العلم الكبرى ينحى منحى التصور النسبي لقيمة النظريات العلمية، وممن تأثر بهذا الوضع الجديد من نقد العلم "الامتداد الوضعي في القرن الرابع عشر/ العشرين للوضعية القديمة"، إذ نراه رغم تمسكه بدور الحس والتجربة في إثبات قيمة العلم


(١) تاريخ الفلسفة الحديثة، يوسف كرم ص ٤٣٧ - ٤٣٨.
(٢) انظر: فلسفة العلوم، د. بدوي عبد الفتاح ص ٢٢٦، وانظر: برونشفيك وباشلار. .، د. السيد شعبان ص ٢٧ - ٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>