للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلوم -في القرن الرابع عشر- ما زالت في طور التشكل والتكون، ولم يظهر إلى الآن شخصيات عربية ذات إبداع بارز في ميدان العلوم الحديثة، فمن الطبيعي أن تتأخر مثل هذه الفلسفة حتى تبرز هذه العلوم، وذلك أنها لم تُعرف في الغرب إلا بعد عشرات السنين من الثورة العلمية (١).

ولكن مع عملية التقليد المتواصلة لتيارات الفكر الغربي، فقد ظهر في الفكر العربي نشاط لمجموعة تُعنى بهذا الباب، ومن بين المبررات أن هذه العلوم وإن لم نبدع فيها، إلا أنها تُدرس في كل مكان من بلادنا، وفلسفة العلم أيضًا أضحت قسمًا من أقسام الفلسفة والفلسفة تُدرّس في العالم الإِسلامي فيدرس تبعًا لذلك القسم الجديد فلسفة العلم.

ولا شك في أهمية وجود رؤية واضحة حول الموقف من هذه العلوم الجديدة وطريقة التعامل معها وفهم طبيعتها وحدودها, ولكن مسار هذه الرؤية يختلف عن مسارها في الغرب. ومن المغالطات الواضحة ما يفعله تيار عريض في فلسفة العلم العربي، حيث يرمي بنفسه في أحد تياراتها الغربية، ويجعل من نفسه كالقشة في مجرى نهرها الجارف، دون أن تشق لها نهرًا خاصًا بها يراعي الأصول والثوابت ويوجه المسيرة ويخدم الأهداف ويحقق رغبة التفوق والقوة للأمة، وعند افتراض وجود قناعة بأهمية فلسفة العلم في الفكر العربي فإنه من الطبيعي أن يختلف مسارنا عن مسارهم لا أن نلتصق بأحد تياراتهم. ولكن المتأمل في المفكرين العرب المهتمين بفلسفة العلم يلحظ انخراطهم في تيارات فلسفة العلم الغربية دون إبداء شيء من الخصوصية، بل استثمار مفاهيمها من قبل بعضهم في الانتقاص من تراث المسلمين وربما دينهم.

وبمكن رصد مدرستين عربيتين في هذا المنحى (٢)، الأولى متأثرة بالوضعية المنطقية، وما لحقها أو سبقها من تيارات في المسار نفسها، ويغلب على هذه المدرسة الميل إلى التحليل ورفض الميتافيزيقا والتعصب لمرجعية الحس، وجعله مقياس العلم الوحيد. ومن بين أبرز أعضاء هذه المدرسة الدكتور زكي نجيب محمود ناشر الوضعية المنطقية في الفكر العربي. وحسب ما ذكر أحد الراصدين


(١) توجد حالات قليلة إلا أن أغلبهم يعيشون في الغرب، ولم يمثلوا ظاهرة واضحة.
(٢) انظر: فلسفة العلوم (قراءة عربية)، د. ماهر عبد القادر ١/ ١٩ - ٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>