للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبنفس الاتجاه يهاجم الميتافيزيقا والدين ويؤسس لمثالية جديدة (١).

ويبقى السؤال عن وضع الاتجاه المادي خصيم المثالية؛ أين هو في هذه المرحلة؟ الحقيقة أنه موجود؛ ولكن كثيرًا من دعاويه المستندة على العلم قد سقطت، وما بقي له إلا العودة إلى التخرصات العقلية للدفاع عن الإلحاد بكل مكوناته من إنكار للربوبية والغيبيات واليوم الآخر والروح وغيرها، وهو مرض موجود حتى عند أطراف من خصوم المادية، فهو مرض مستمر في الحدوث ما بقي داعيته في الوجود وهو الشيطان الرجيم. ورغم أنه الأضعف في القرن الرابع عشر/ العشرين إلا أنه قد وجد من يدافع عنه بقوة، مثل الفيلسوف الإِنجليزي راسل، ومثل الوضعية الجديدة وفلسفة التحليل، ومجموعة كبيرة من الماركسيين ولاسيّما في المعسكر الشيوعي السابق وأتباعه في العالم، فإن مما أسهم في بقائه واستمراره أن دولة الاتحاد السوفيتي السابقة قد اعتمدت المادية والإلحاد كأيديولوجيا أساسية ووحيدة للدولة الجديدة بعد نجاح الثورة البلشفية عام (١٩١٩ م)، بصورتها "الماركسية اللينينية" واجتهدت في نشرها والدفاع عنها واستبعاد كل ما يعارضها ولو بالتصفية الجسدية للمعارضين، وإعادة النظر في العلوم في ضوء النظرية الماركسية، وأصبح العلم معهم ماركسيًا لا علميًا. والدين عندهم عبارة عن أقوال خاطئة أثبت العلم الطبيعي خطأها، والعلم -بصورته الماركسية- هو الوحيد الذي يسمح لنا بمعرفة الحقيقة.

فأما راسل وإن لم يكن شيوعيًا إلا أنه أحد أهم المدافعين عن الإلحاد في القرن العشرين والمتمسكين بالمذهب المادي محتجًا في ذلك بالعلم مع حجج فلسفية أخرى (٢).

ولكن العلم في القرن الرابع عشر/ العشرين -كما سبق- لا يساعد الماديين على ماديتهم وإلحادهم، وعندما شعروا بذلك رفضوا نظريات الفيزياء المعاصرة بحجة أنها ذات ميول مثالية، ووظفت الدولة والسوفيتية كُتّابها لمحاربة تلك


(١) انظر: المرجع السابق ص ١٣٦، وعن المجموعة انظر: نفس المرجع، الباب الثالث ص ١٢٥ - ١٦٨، وانظر: عرض "مذهب كروتشة" كتاب "زكريا إبراهيم" الفلسفة المعاصرة ص ١١٦.
(٢) انظر: الفلسفة المعاصرة في أوروبا، بوشنسكي ص ٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>