للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يتفقون مع السلطات السياسية والقوى المتسلطة، فهذه الفئات الجديدة ترى بأن القوى السياسية والطبقات المسيطرة جاهلة وطاغية وهي غير مؤهلة لقيادة أممهم، وكانت الكنيسة ترى من مصلحتها مساندة السلطات السياسية بحجة الاستقرار والحصول على مكاسب مشتركة. هكذا حصل تواطؤ خبيث بين الأنظمة والقوى الفاسدة وبين الكنيسة الضالة، فالكنيسة تخدم النظام بتقديم أدلة تثبت ضلال التيار العلمي المعارض، لذا لا يقع غالبًا في البلاد التي يسالم العلماء فيها السلطات السياسية مجابهة للعالم، أما في البلاد التي يشتد فيها نقد العالم للنظام أو الكنيسة فإن الدولة تعطي الإذن للكنيسة بتضليل ذلك العالم. يظهر ذلك مثلًا في الفرق بين "كوبرنيكوس" و"براهي" و"كبلر" المسالمين للسلطات والكنيسة فقد كان الموقف معهم سلميًا، وبين "برونو" و"جاليليو" الثائرَين على السلطات السياسية والكنيسة والمعترضين عليها أشد الاعتراض، عندها تجندت السلطات الدينية الكنسية والسياسية ضدهما؛ فأُحرق برونو وسُجن جاليليو وختم حياته بإقامة جبرية.

أما عندما تهدأ الأمور ويترك العلماء نقد السلطات السياسية أو الكنسية؛ فإن صدر السياسة والكنيسة يتسع للعلماء ونشاطهم العلمي، بل يشاركون العلماء علومهم ويدعمونهم.

وهذا التواطؤ من رجال الدين النصراني مع الطغاة ومساندتهم في طغيانهم يشوه دون شك صورة الدين وأهله؛ فهم لا يمثلون دينهم فقط بل للأسف يمثلون كل دين في نظر الغربيين. وعندما تفجرت حركات الاحتجاج في أوروبا وانغمس فيها المبغضون للدين توجهت تلك الثورات ضد الطرفين؛ ضد السياسيين عسكريًا، وضد الكنيسة بالنقد والاعتراض العقلي والعلمي.

والنتيجة بأن إلقاء التهمة على الكنيسة وحدها يُعد حكمًا ناقصًا؛ لأن التهمة ملقاة على كاهل القوى الموجودة من أمراء وإقطاعيين ومشاهير وأغنياء الذين استغلوا رجال الدين النصراني، كل هؤلاء قد تواطؤوا على الطغيان واستغلال شعوبهم ومحاربة كل القوى المناهضة لهم بما في ذلك الفئات الناشئة حول الأفكار والعلوم الجديدة.

وهذا لا يعني التخفيف من أثر الكنيسة السيئ بقدر ما يعني النظرة المتوازنة إلى الأسباب الحقيقية في محاربة العلوم الجديدة وأثر تلك الحرب في انحراف

<<  <  ج: ص:  >  >>