عظيم، وأقامت عليه حضارة مادية كبيرة لا تتعارض مع دينها. ومرت الأيام فأخذت أوروبا المنهج العلمي من المسلمين، ولكنهم بسبب آلية "المسموح والممنوع" أقفلوا أبوابهم أمام النور الحقيقي وهو الإسلام، فأخذوا السلاح دون اليد التي توجهه، والجسد دون روحه، فقامت لهم نهضة علمية محورها الطبيعة المادية، وانكشف لهم عالم من خلق الله مدهش وعجيب، ففتنوا بذلك، ورأوا أن هذا العلم الدنيوي لوحده هو الحق، ومادته وهي الطبيعة المادية هي التي تستحق العناية، وأن وظيفة العلم كما يُنظّر بيكون وغيره هي السيطرة على الطبيعة.
في مثل هذه الأجواء كان هناك تيار يتربص بهم، وينتظر الفرصة المناسبة للتغلغل وهو التيار المادي، الذي يرى البداية والنهاية في المادة وحدها، بيدها الخلق وعندها الحق، الفاعلة وغيرها من نتاجها. وعندما لاحظ المذهب المادي انصراف الناس إلى علوم الدنيا واهتمامهم بالمادة سواء كان ذلك في الفلك أو الفيزياء أو الكيمياء أو غيرها، ووجد أن هذه الدنيا في صورتها المادية قد كبرت في أعين الناس، عندها أظهر من جديد دعوته حول مذهبه، معلنًا بأن مادة هذه العلوم وهي المادة هي أساس كل شيء، وعليه فإن الرؤية والتصور والمنهج والعمل ينبغي أن يكون ماديًا أيضًا.
وقد نجد في كثير من الكتابات حول الفكر الغربي الربط بين التقدم العلمي وميلاد التصور المادي؛ وكأن التصور المادي نتيجة حتمية للتقدم العلمي الدنيوي، ولا شك أنه تصور مغلوط؛ لأنه يجعل مصير العناية بهذه العلوم هو المصير المادي وفي مسار حتمي لا رجعة فيه، مع أن الواقع التاريخي يكشف أن اشتهار التصور المادي وقت التقدم العلمي نابع من غفلة المجتمع وانغماسه في هذه العلوم؛ مما يسّر لأصحاب المذهب المادي استثمار الفرصة وتوجيه مسار التقدم العلمي لصالح مذهبهم. فالعلوم لا ذنب لها في اشتهار المذهب المادي، وإنما الذنب للمجتمعات التي لم تجمع بين الدين الحق والعلم النافع، وتقيم التوازن السليم بين إقامة الدين وإعمار الدنيا.
لقد أعلن المذهب المادي عن دعوته للمجتمع المنخرط في التطور العلمي: إنكم تعتنون بعلوم مادية؛ أي: بالعلوم التي تعتني بالمادة، والمادة هي أساس مذهبنا، فلِمَ لا تقبلون مذهبنا وهو أساس علمكم؟! مع العلم بأن الماديين