للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قام الاتجاه الماركسي شرّ قيام بهذه المهمة؛ فهو يعلن بأن "الدين ما هو إلا عبارة عن نسيج من الأقوال الخاطئة والعجيبة، والتي يدينها العلم الطبيعي. إن العلم وحده هو الذي يسمح لنا بمعرفة الحقيقة" (١)، وكما يقول صاحب "أسس الفلسفة الماركسية" بأن المادية "عدو لا يعرف المهادنة للأفكار الغيبية: ففي العالم الذي لا وجود فيه لغير المادة المتحركة لا مكان لأي روح غيبية" (٢) بما في ذلك أعظم أصل جاء به الدين وهو الإيمان بالله سبحانه، فهي لا تقبل سوى المادة وترفض الإله رفضًا تامًا (٣). وعادة ما يضعون مقارنة جائرة القصد منها تشويه الدين، مقارنة بين الدين مع إلصاق كل الصور السلبية المتخيلة به، ثم يقابلونه بالمادية ذات الوجه العلمي، وهي مقارنة لا يخفى مقصدها على أي ناظر إليها، فنجد مثلًا في قرارات اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي: "إن العلم يساعد الإنسانية على التعمق أكثر فأكثر في القوانين الموضوعية لتطور الطبيعة. وبالعكس فإن الدين يعدم وعي الإنسان ويسلمه إلى السلبية أمام قوى الطبيعة. ." (٤)، وقد يصح جزء من كلامهم على أديانهم المحرفة التي عرفوها لولا أننا نعلم بأن المذهب المادي ليس في قصده البحث بعد ذلك عن الدين الحق؛ لأنه لا يقرّ بدين ولا غيب ولا رب، فالمقصد إذا هو تصوير الدين بكل الأوصاف السلبية مع مدح المادية، وإعطائها وجهًا علميًا.

وبعد نجاحهم في تشويه صورة الدين انتقلوا خطوة أخرى، فالدين لا يجوز التسامح معه وحاله هذه، فأخذوا عدتهم وأجلبوا بما لديهم، معلنين بأن واجبهم نحو معبودهم المادي لا يتحقق إلا بهدم الدين، فالمفكر منهم يمارس هدم الدين من خلال فكره، والعالم من خلال علمه، وهكذا بقية الفاعلين في المجتمع، ويجمع كل تلك الأدوار ويؤديها أحسن أداء تلك الأحزاب السياسية المادية والدول الناشئة على أكتافها لتمارس التنفيذ في الساحة بقوة السلطة، مع تذكيرهم المتواصل بأنهم يعملون كل ذلك باسم العلم ولصالح البشرية ليمثلوا بذلك أسوأ صور الاستغلال للعلم وأخطر دور بالانحراف به.


(١) تاريخ الفلسفة المعاصرة في أوروبا، بوشنسكي ص ١١٧.
(٢) أسس الفلسفة الماركسية، ق. افاناسييف ص ١٠.
(٣) انظر: الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان، المسيري ص ١٦.
(٤) الفكر المادي في ميزان الإِسلام، د. صابر طعيمة ص ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>