للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سببها عجز الإنسان أمام الطبيعة وخوفه منها، فيتخيل وجود رب يحميه، فحوله فرويد إلى نوع آخر هو نوع من الضمير ينشأ عند الطفل بسبب الصراع الكبير داخله، ثم حدث نوع من التخيل الواسع لإخراج هذا الضمير في صورة إله، فهو يرى "أن علاقة البشر مع الطبيعة شبيهة بعلاقة الطفل مع أبويه، إذ يعيش الأطفال تحت رحمة آبائهم الأقوياء الذين يفترض منهم حماية أطفالهم. وحينما يكبر الأطفال يحولون صلتهم مع آبائهم إلى صلة مع الله لكي يرضوا نفس الحاجات الطفولية التي كان يلبيها الآباء حينما كان الأطفال في المرحلة المبكرة يؤمنون بقدرة آبائهم. فالدين كما كان يراه فرويد بإيجاز هو وهم يعبر عن الرغبة في الحصول على حماية أبوية سرمدية" (١)، وقد عرض هذا الكلام في كتابه: "مستقبل الوهم" الذي يتقصّى فيه أصل الدين على أن ذلك التقصي يتم كما يدعي وفق المنهجية العلمية.

وهكذا نجد كيف ترعرعت النظرية في الوسط اليهودي وتغذت في جزء منها على الموروث اليهودي، ثم بدأت تمارس دورها باسم العلم في تحطيم المعتقدات الدينية وأصبحت مقولات فرويد مرجعًا لملاحدة العصر بحجة علميتها، فقد بدأ بعض العلماء والمفكرين يكتفون في نفي الدين بالاعتماد على الحجة الفرويدية على أنها حجة علمية، وعلى سبيل المثال فهذا أحد أشهر فلاسفة العلم في القرن الرابع عشر/ العشرين وأحد أعضاء الوضعية المنطقية لا يجد مشكلة في تصريحه بإلحاده، إلا أنه عندما واجهته مشكلة -تواجهه وتواجه كل ملحد- وهي أن البشرية تقرّ بوجود الله ولا يستطيع الناس التخلص من هذا الشعور، فتجده ينظر إليها على أنها مشكلة كانت تعتني بها الفلسفات تحت مسمى مشكلة انتشار الاعتقاد بوجود الله، وأن الفلسفة كانت تجيب عليها بمثل أجوبة فيورباخ وغيره، إلا أن كارناب لا ينظر "إلى مشكلة انتشار الاعتقاد بوجود إله كمشكلة فلسفية بل كمشكلة تفسرها أبحاث فرويد التي أظهرت أن أصل تصورنا للإله يعود إلى حاجتنا إلى بديل عن الأب. . . ." (٢). وهكذا أصبحت استدلالات بعض الملحدين المعاصرين العلمية تعتمد على نظريات فرويد، وأصبح ما يسمى علمًا ونظريات علمية يوظف في الاستدلال على الإلحاد (٣).


(١) سيغموند فرويد مكتشف اللاشعور ص ٢٠١.
(٢) انظر: رودولف كارناب. نهاية الوضعية المنطقية، وداد الحاج ص ٢٨١.
(٣) نذكّر هنا بما أوردناه أول المبحث بأن جديد "فرويد" وأمثاله من اليهود هو: ربط الإلحاد =

<<  <  ج: ص:  >  >>