للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حيث كان الجهد في الترجمة "منصبًا أكثر على الكتابات الفلسفية والإلهيات، خاصة ترجمات وشروح أرسطو" (١)، فتسبب هذا الانحراف بالترجمة إلى إدخال الأمة الإِسلامية في متاهات لم تتعاف منها إلى الآن. فإذا تركنا هذا الجانب، ونظرنا إلى حجم المعارف النافعة مما أخذه المسلمون عن غيرهم، وما ألحقوه عليها من تهذيب وتطوير، ثم ما أضافه المسلمون في هذا الباب من مناهج وعلوم ومكتشفات لوجدنا في ذلك عجبًا.

ويمكن تلخيص بعض أدوار الحضارة الإِسلامية حول هذه العلوم في مجموعة نقاط أهمها:

١ - ترتيب تلك العلوم المترجمة وتنقيحها.

٢ - إيجاد البيئة المناسبة لحركة تلك العلوم وتحولها إلى ما ينفع الناس.

٣ - التطوير للمنقول والمترجم، أو الإبداعات والاكتشافات الجديدة.

٤ - بداية رسم منهج جديد يساعد على تطور العلوم، وهو من أهم ما أبدعته الحضارة الإِسلامية، وقد كان من أهم المناهج "المنهج التجريبي" الذي عُرف مع كثير من علماء الطب أو الفيزياء أو الكيمياء وغيرها (٢). مع ما صاحب ذلك من نقد علمي وعقلي للمناهج اليونانية لاسيّما المنطق الأرسطي؛ الذي ثبت فيما بعد أنه كان عائقًا في وجه تقدم العلم فضلًا عن الضرر من تطبيقه على المعارف الدينية.

ولم تكن عملية استيعاب العلوم الإنسانية ثم الإبداع فيها بعملية سهلة؛ فإن التعرف على تلك العلوم، وإصلاح شأنها بما يلبي حاجات الأمة المسلمة ثم الانتقال إلى مجال التطوير والإبداع كان عملية عسيرة؛ فالمترجمون لم يكونوا عادة من الأمناء بدرجة كافية، لاسيّما مع تنوع مشاربهم الدينية، والعلوم تحتاج إلى استقرار وعمران، وهو ما لم يتركه أعداء الأمة الإِسلامية لنا، فما إن يستقرّ


(١) انظر: العلوم والهندسة في الحضارة الإِسلامية، دونالدر. هيل ص ٣٠، ترجمة د. أحمد فؤاد.
(٢) انظر: مناهج البحث عند مفكري الإِسلام واكتشاف المنهج العلمي في العالم الإِسلامي، د. علي النشار ص ٣٢٩ - ٣٣٤، وانظر: نشأة الفكر الفلسفي في الإِسلام، د. علي النشار ١/ ٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>