ذاتيًا، ولا شك أن ذلك كان أسلم لأبناء الأمة، مع العلم بأن طبيعة تلك المرحلة لم تكن تسمح بفكرة الابتعاث ذاتها.
٢ - أن الأمة الإِسلامية عندما أخذت علوم الأقوام الآخرين، أخذتها من موطن قوّة وعلوّ وعزّة، لذا كان بيدها أن تختار ما تريد وأن ترفض ما لا تريده، وقد منحتها قوتها أيضًا القدرة على احتواء تلك العلوم دون الانبهار بأحوال أهلها، وأعطتها أيضًا القدرة على الإبداع فيها والمجيء بما لم تصنعه الأوائل، بخلاف الأخذ الأخير، إذ كان من موطن الضعف وترتب على ذلك آثاره السلبية.
٣ - كانت علوم الأمم الأخرى في حالة توقفها عن التطور، وهي مع ذلك كانت محدودة، ويغلب عليها الصورة التي وصلت إليها عند أرسطو، كمنهج ومحتوى، مع شروحات وإضافات محدودة لمن بعده، مما سهّل عملية التعرف عليها، بخلاف الاتصال الحديث، فقد كان في وقت تطورها، وهو تطور مستمر لم يتوقف إلى الآن، وفي وقت تكاثرها الذي يُصعّب من عملية احتوائها ويوقع ربما طالبها في ما تحويه من إشكالات.
٤ - كان للخلط في الترجمة بين ما نفعه مؤكد وبين ما هو غير مؤكد أو ذو ضرر؛ أثره في إعاقة مسيرة الأمة، فانفتحت صراعات كان يمكن السلامة منها، وانشغلت الأمة بآثارها على حساب النافع، وهو دَرْسٌ لم تستوعبه الأمة؛ فمع عملية النقل الحديثة رجعنا للمشكلة نفسها، فترجِم الكثير من المشغل للأمة عن الأهم، أو ترجم الضار والمعيق لمسيرتها، وإلى يومنا هذا لا مقارنة مثلًا بين ترجمة الأعمال الأدبية والفنية الكثيرة مع ترجمة الأعمال العلمية النافعة.